«البلديات» وكيف نطورها؟
يعد الجهاز البلدي من أكبر الأجهزة الحكومية الخدمية المنتشرة في أنحاء المملكة، فهناك 17 أمانة، و286 بلدية، وعدد العاملين 116.930 موظفا وموظفة يقدمون أكثر من 400 خدمة، منها 30 إلى 50 خدمة يومية وأسبوعية تلامس وتؤثر في حياة السكان بشكل يومي ومباشر "التقرير السنوي 2018"، الأمر الذي يجعل العاملين في البلديات ـ خاصة الذين لهم اتصال مباشر بالمستفيدين ـ تحت المجهر والتعرض للانتقاد المستمر في حال وجود أي قصور، وبالتالي فإن موظف البلدية "العنصر البشري" بصفة خاصة يجب أن يكون من أهم محاور التحول وتحسين الأداء البلدي، وأن يكون شاملا لجميع الشرائح "قيادات أو مراقبين أو مفتشين أو فنيين أو إداريين، وغيرهم"، فأي خلل في أداء الفرد ـ الوحدة يؤثر في المنظومة بشكل كامل.
لقد ارتكز عمل فرق تطوير البلديات "السابقة والحالية" على شكل "العربة" ومساراتها والإجراءات اللازمة لها لكي تسير، حتى اتضحت حقيقة ـ لم تكن غائبة عن البعض ـ بأن الأحصنة "العناصر البشرية" التي تقدم الخدمة خلف العربة، والجيد منها لا يتجاوز حصانين ويحملان عبء الأحصنة الخمسة الضعيفة والثلاثة غير صالحة، وبالتالي لا يمكن لهذه الأحصنة أن تجر العربة، وتحقق السبق "الإنجاز"! "قاعدة: "20 ـ 50 ـ 30".
إن البلديات بحاجة إلى تنمية حقيقية لرأس المال البشري، وإدارة فاعلة للكفاءات وتطوير للمهارات، وخطة لتحسين الوضع الوظيفي للعاملين مع نظام عادل للتحفيز، لكي تحافظ على ما تبقى من الخبرات الجيدة من التسرب، مع التركيز على استقطاب الكفاءات المتميزة الخبيرة التي تضيف بعدا غير موجود في العمل البلدي وتحدث أثرا ملموسا فيه.
أن المرحلة الحالية من عمر العمل البلدي والخدمات تحتاج إلى التركيز على بعض المهمات العاجلة لتحسين الوضع العام وتطويره ثم العمل ـ بإذن الله ـ على استدامته، خاصة أن هناك عددا كبيرا من الدراسات والجهود السابقة "الأمانات والوزارة" يمكن الاستفادة منها والبدء في التنفيذ دون الحاجة إلى إعادة الدراسة والتوليف. ويمكن تلخيص ذلك بما يلي:
أولا، مصفوفة صلاحيات وحوكمة واضحة "من الأعلى إلى الأسفل والعكس" تحدد دور كل مستوى من مستويات العمل البلدي الحالية "الوزارة/ الأمانة/ البلدية"، وتأطير العلاقات البينية الأفقية والرأسية، لكي تسهل إدارة المدن والمحافظات محليا.
ثانيا، إيجاد هياكل تنظيمية بسيطة ومرنة تتمحور حول خدمة المستفيد، وتراعي طبيعة العمل البلدي ـ خدمي في أغلبه ـ الذي يحتاج إلى مرونة وسرعة في التنفيذ والتشغيل واتخاذ القرارات.
ثالثا، دعم وتمكين إدارات الموارد البشرية "مادي وبشري" للقيام بدورها وفق خطة برنامج الملك سلمان للموارد البشرية، وحسب الهياكل المعتمدة واعتماد جميع وظائفها من الخدمة المدنية "التأمينات" لتثبيتها.
رابعا، إيجاد حوافز مالية ثابتة للجهاز البلدي بناء على الإنجاز.
خامسا، تحسين بيئة العمل المكانية والصحة المؤسسية، فبعض مقرات البلديات ما زال دون المستوى المقبول؟!
سادسا، سرعة استكمال تخصيص الخدمات البلدية ونقل الموظفين من القطاع العام ـ بعد إعادة تأهيلهم ـ إلى القطاع الخاص بحيث تتفرغ الأمانات وبلدياتها الفرعية والتابعة، للإشراف والمتابعة والتدقيق والتقويم والتحسين المستمر والقيام بدورها الخدمي التنموي والتمكين للجهات الأخرى.
إن جميع المراحل السابقة يمكن تنفيذها بالتوازي أو التوالي حسب الممكنات المتاحة.
وأخيرا، لقد كان لوزارة الشؤون البلدية والقروية منذ تأسيسها دور كبير ومهم في تطور وانتشار الأمانات والبلديات على مستوى مدن ومحافظات وقرى المملكة وتنظيمها وإدارتها، فالبلدية حسب نظام البلديات تعد شخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري تمارس الوظائف الموكلة إليها بموجب هذا النظام ولوائحه التنفيذية، ولعل من المناسب الآن إعادة النظر في عمل الوزارة عموما، أو تقليص دورها إلى الحد الذي يجعلها فقط منظما ومنسقا على المستوى الوطني، دون تدخل في العمل المحلي وطريقة النماذج "التعاميم" الموحدة لعمل الأمانات وبلدياتها، إداريا وفنيا وتنفيذيا واستثماريا، فالأمانات وقيادتها لديها من الخبرة والنضج الذي سيوجد ـ بمشيئة الله ـ تنافسا محمودا يقدم نماذج ابتكارية متميزة في المدن والمحافظات بالتكامل مع هيئات التطوير.
نسأل الله أن يوفق ويسدد القائمين على العمل البلدي لتطويره، بنظرة شمولية للمستقبل تتقدمها أولوية الارتقاء بمستوى الخدمات التي تقدمها البلديات لعموم السكان، وفق أفضل الممارسات والمعايير المهنية التي تساعد على تنمية متوازية تتواكب مع مفاهيم التنمية المستدامة، تعزز من قاعدة المشاركة المجتمعة، وبما تسهم في تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، ويحقق آمال وتطلعات قيادتنا الرشيدة ورؤية المملكة 2030.
هذا والله تعالى هو الأعلم، ومن وراء القصد.