"مبدأ الثقة بديلا لمبدأ القوة" .. مهمة جديدة لحماية التكنولوجيا من التهديدات

"مبدأ الثقة بديلا لمبدأ القوة" .. مهمة جديدة لحماية التكنولوجيا من التهديدات

في أعقاب هجمات 9/11 الإرهابية، شكل النواب الأمريكيون لجنة مشتركة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي من أجل العمل لضمان عدم تكرار ذلك اليوم، الذي يعد أحد أسوأ الأيام في تاريخ الولايات المتحدة.

وفي الوقت الحالي، تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها تهديدات مصدرها التكنولوجيات الناشئة على نحو متزايد، وقد يكون لها تداعيات مدمرة إذا ما وقعت في اليد الخطأ، فالحوسبة الكمية، والجيل القادم من الطائرات بدون طيار، والهندسة الطبية الحيوية، وتقنيات أخرى، تستطيع تحسين حياة الملايين، أو تمكين الطغاة.

يشكل ذلك محور تحليل نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأمريكية، من إعداد كيث كراش و كريستى كالجوليد.

وكراش هو رئيس "معهد كراش لدبلوماسية التكنولوجيا" بجامعة بيرديو، كما شغل منصب وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للنمو الاقتصادي والطاقة (2021-2019). وهو مرشح لجائزة نوبل للسلام هذا العام. أما كالجوليد، فهي الرئيسة الخامسة لإستونيا (2021-2016). وكانت أصغر رئيس للبلاد، وأول امرأة تتولى المنصب هناك منذ الاستقلال.

ويوصي كراش وكالجوليد بعدم الانتظار لحين وقوع الكارثة، حتى نبدأ في إعداد أنفسنا لمواجهة التهديدات. وقالا إن التكنولوجيات الجديدة، بالفعل، تعيد تشكيل حياتنا وسبل تواصلنا مع الآخرين في أنحاء العالم، ولذلك يتعين على الدول الديمقراطية أن تكون في طليعة عملية الابتكار التكنولوجي، وليس السعي للحاق بالخصوم.

ولهذا السبب، شكلت مجموعة من الدبلوماسيين السابقين، وخبراء صناعة التكنولوجيا من "معهد كراش لدبلوماسية التكنولوجيا"، و"المجلس الأطلسي"، لجنة رفيعة لإعداد خطة حول كيف يمكن للعالم حماية الحرية من خلال تبني تكنولوجيا موثوقة.

وبحسب "الألمانية"، يقول كراش وكالجوليد إنهما كرئيسين مشاركين لـ "لجنة أمن التكنولوجيا العالمية، نعتقد أن هناك ثلاثة عوامل تميز التعاون بيننا على مدار عامين".

العامل الأول هو أن اللجنة سوف تركز على 17 قطاعا تكنولوجيا حيويا، ثم تدمج النتائج التي تتوصل إليها في كل قطاع في إطار استراتيجية أمنية شاملة.

أما العامل الثاني، فهو أن اللجنة سيقودها القطاع الخاص والمعنيون على الصعيد العالمي، ومفوضون من شركات ومؤسسات دولية تمثل حوالي عشر دول، في إطار الجهد المشترك للديمقراطيات من أجل المنافسة في التكنولوجيات الناشئة.

والعامل الثالث، هو أنه في حين أن اللجان السابقة كانت تركز على تحديد الحلول الدفاعية، فإن اللجنة الجديدة ستركز على دمج الاستراتيجيات الدفاعية لتطوير معايير مشتركة للتكنولوجيات الموثوقة، وتقديم توصيات للمشاركة في المجالات الرئيسية للبحث والتطوير.

وحول فشل محاولة الصين في تقديم نفسها في صورة شريك عالمي حسن النية ولكن أسئ فهمه، ذكر التحليل أن الشركات التي تتعامل مع الصين تحملت مشروعات طفيلية مشتركة، وسرقات سافرة للملكية الفكرية، وفورة تنمر في أنحاء العالم، والجمع القسري للتكنولوجيا المسجلة الملكية.
وقد بدأت مجالس إدارة الشركات تستوعب بشكل متزايد أن الدخول في أعمال مع الصين، أو في الصين، أو لصالح الصين، يمثل خطورة كبيرة.

وأوضح التحليل أن اللجنة الجديدة تتمتع بدعم النواب وقادة القطاع الخاص في الوقت الذي تسعى فيه أمريكا إلى حشد حلفائها عبر الأطلسي وفي منطقة الهندي-الهادئ، وشركائها، خلف مجموعة من القضايا الجوهرية المتعلقة بالتكنولوجيا.

وخلال جلسات عقدتها اللجنة مع وكيل وزارة التجارة آلان استيفيز، بشأن "أمن التكنولوجيا العالمية"، ومع كبير مستشاري الرئيس جو بايدن لشؤون آسيا، كيرت كامبل، بشأن "إقامة تحالفات باستخدام عقيدة "مبدأ الثقة" التي طورها كراش، بديلا لمبدأ القوة، أعرب المسؤولان عن تأييدهما لمهمة اللجنة العاجلة من أجل حماية التكنولوجيا المتقدمة من التهديدات "الاستبدادية القائمة على التكنولوجيا" .

ويعتمد العالم الحر على الابتكار من قبل القطاع الخاص، عبر العمل مع الشركات الكبيرة والصغيرة، لبناء الثقة، دون إفراط في فرض القواعد والنظم. وعلى النقيض من ذلك، تقوم الحكومات في "دول استبدادية، مثل الصين وروسيا" بتطوير التكنولوجيا والسيطرة عليها، ولذلك لا يمكن الوثوق بها.

ويحظى العالم الحر بمجموعة أعمق من التكنولوجيات الجديدة، حيث إن الإنسان الذي يتمتع بالحرية هو أكثر قدرة على الإبداع، ولقد "شاهدنا مرارا وتكرارا أن الثقة وتنوع الفكر هما المحفزان للعبقرية التحويلية...

ولذلك فإننا سننتصر في حرب التكنولوجيا." وسوف تستفيد اللجنة في عملها من الدروس المستقاة من برنامج "الشبكة النظيفة" التي قام بتطويرها أحد الأعضاء، عندما كان مسؤولا أمريكيا، حيث جرى توحيد 60 دولة في أنحاء العالم ألزمت نفسها بالتعامل مع شركات اتصالات الجيل الخامس، الموثوقة، فحسب، واستبعاد تلك التي لا تتمتع بالثقة مثل هواوي و زد تي إي، "اللتين تنفذان أوامر الحزب الشيوعي الصيني".

وقال كراش وكالجوليد إن العالم الحر أظهر ما يمكن أن يحققه عندما يعمل بصورة جماعية وعندما يستثمر في التكنولوجيا المشتركة والموثوقة، ولذلك، "ومن الآن فصاعدا، يتعين وجود معايير واتفاقيات مشتركة من أجل تحقيق أقصى استفادة من التكنولوجيات التي ابتكرتها العقول العظيمة في شركات القطاع الخاص لدينا".

ويرى كراش وكالجوليد أن تكنولوجيا المستقبل يجب أن تكون موثوقة، يقوم بتطويرها وحمايتها شبكة من الدول والشركات التي تتبنى نفس الاتجاهات، وأفراد يحترمون سيادة القانون، وحقوق الإنسان وممارسات العمل، والسيادة الوطنية والبيئة.

وستضم التكنولوجيات التي ستركز عليها اللجنة أشباه الموصلات، والسيارات الكهربائية وذاتية القيادة، والطاقة النظيفة، والشبكات الكهربائية، والإحصاء الكمي، والروبوتات، والدفع الإلكتروني والعملات الرقمية.

وفي ختام التحليل، يقول كراش وكالجوليد إن التطورات التكنولوجية قد غيرت العالم على نحو يستطيع أن يجعلنا "أكثر ارتباطا من أي وقت مضى، وأكثر انقساما من أي وقت مضى"، ولذلك، "يتعين علينا إقامة جبهة متحدة تأخذ بزمام المبادرة في عالم الابتكار التكنولوجي لضمان توظيفها من أجل تعزيز الحرية".

سمات

الأكثر قراءة