يوم وطني بهيج
اليوم الوطني دائما مبجل في حياة الجميع، لأنه فريد بالتفكير في الثقة والأمل وبرهة قصيرة لتجديد الانطلاقة. جاء اليوم الوطني والمملكة في مركز أفضل على الصعيد الجيوسياسي والمالي والاقتصادي، لكن حب الأوطان دائما موجود كامن أو ظاهر في الوجدان. تقليديا في المنطقة ككل تلجأ الثقافة العامة غالبا إلى الماضي على حساب المستقبل لأسباب تحتاج إلى دراسات اجتماعية ومجتمعية. لذلك جاء العهد الجديد، بتوجيهات ولي العهد، في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين، ممثلا بالرؤية وبرامج التحول لتغيير النظرة المجتمعية من خلال تحديث المملكة في جميع المجالات وكسر جمود الماضي. اليوم الوطني فرصة للمراجعة، لكن عدم التوقف كثيرا، فالمستقبل دائما أفضل. أثبتت النظرة الواقعية والأمينة أن المملكة في وضع متميز، قياسا، ليس على دول المنطقة فقط، لكن قياسا على دورها عالميا. التاريخ مهم بقدر توظيفه معرفيا لفهم الحاضر والمستقبل، وليس للتغني بجهود غيرنا. لذلك أرى اليوم الوطني فرصة للوقوف على نقطة مفصلية بين الماضي ومواجهة التحديات، التوقف وجدانيا متعب كثيرا، ويأخذ كثيرا من طاقة نحن في أشد الحاجة إليها لمواجهة المستقبل. سيستمر السعودي قادرا على التكيف والتقدم مهما كانت الظروف. على كل منا مسؤولية مباشرة لصناعة تاريخ مستقبلي لمن يأتي بعده. المحتوى الأخلاقي والمسؤولية الاجتماعية يحتمان علينا جميعا تسليم الوطن بحالة أفضل لمن يأتي بعدنا. يشهد هذا الجيل تحولا مهما، حيث أظهر حماسة وانطلاقة جديدة، ليأخذ بالوطن إلى مدار جديد وأعلى على جميع الأصعدة، خاصة الاجتماعية والاقتصادية.
حين يكون الحديث عن الشأن الوطني سريعا ما يتحور النقاش للعام، لكن ما نغفله كثيرا في تفعيل الحب للوطن في كل يوم هو الدور الشخصي الذي يبدأ بالاهتمام بالمسؤولية الشخصية في الأماكن العامة، والاهتمام بمن يحتاج إلى مساعدة معنوية أو مادية، والاهتمام بالتعليم وتراكم المعارف وتطوير المهن، والمعرفة التخصصية والقراءة والمسؤولية المالية المباشرة. في المجتمع الناجح عادة يلجأ كثيرون إلى الاعتزاز بالنفس من خلال التعمق في المهنة والهواية والاستقلال المالي، فمثلا النجاح في الغرب جاء جزئيا بسبب إخلاص أفراد للعلم والفن والمعرفة في جميع المجالات. دور القدوة قوة معنوية لا تقاس بالأرقام الاقتصادية والمالية. نجاح الأفراد حتما يقود إلى نجاح المجموعة وبالتالي الوطن. السياسات العامة تحتاج إلى دعم من الأفراد لرفع مستوى التعاون والثقة. الثقة والتعاون لا يقاسان في إحصائيات وأرقام الاقتصاد، لكنهما ربما أهم من أي رقم وماكينة دفع مستمرة العطاء ويزيدان فرص الإبداع. الرغبة في التطوير والكفاءة هي التعبير العملي عن التعامل مع المستقبل. أخذت المملكة بخطوات إطارية وعملية جميع المجالات الإدارية والتنظيمية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية والبنية التحتية والتكامل من الدول الأهم اقتصاديا ورقابيا. كل هذا يتم في رحلة تحديثية يقودها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، تستحق وتحتاج إلى دعم منا جميعا. هذه التطورات مهمة ولا بد أن تستمر. هناك تحديات ناعمة بدأت تأخذ حقها من الاهتمام، مثل مبادرة التطوير البشري من خلال إعادة التفكير في العلاقة المعقدة بين التعليم وسوق العمل والهجرة الاقتصادية وترتيب أدوار الناس، لتعظيم المصلحة الوطنية بما في ذلك تقليل وتحجيم تكاليف الراكب المجاني. الثاني، التركيز على دور الصناعة وهيئة المحتوى المحلي والمشتريات. متابعة دور الهيئة من خلال فحص الروابط الأفقية والرأسية كفيل بمتابعة سلاسل القيمة المضافة في المجتمع، والعلاقة بين القطاعين العام والخاص، ومتابعة المقصر وكفاءة الناجح. هناك نجاحات معتبرة في السياسة النفطية التي يقودها الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، في إعادة مركزية المملكة من خلال "أوبك بلس"، لكن أيضا في إصلاح وتمكين منظومة الطاقة داخليا. الاهتمام بالبنية التحتية والاستثمارات داخليا، مثل الصناعات العسكرية، أخذ توجها حثيثا وواضحا.
اليوم الوطني، مناسبة نبدأ فيها بشكر المولى - عز وجل -، ومن ثم تقدير القيادة الحكيمة لكل ما تقوم به تجاه الوطن، وتقديم تحية للشعب السعودي النبيل، خاصة لأبطالنا على كل ثغر من الحدود والأمن الداخلي. يحتفل ويفتخر الجميع ويتعاهد على مستقبل أفضل في الأعوام والعقود المقبلة، لنسلم الأمانة إلى الجيل الصاعد، كما تسلمناها من الآباء والأجداد. حين بدأ الملك المؤسس هذه التجربة الوطنية الفريدة والمباركة كانت المقومات أقل والظروف أصعب، لذلك مسؤوليتنا أسهل، ومعرفتنا بالتاريخ أطول، وإنجازاتنا أكثر - علينا مواصلة الإنجاز والانسجام والتقدم.