أزمة بريطانيا تشتد .. بنك إنجلترا يعيد تشغيل مطابع النقود

أزمة بريطانيا تشتد .. بنك إنجلترا يعيد تشغيل مطابع النقود

الأربعاء الماضي، دخل بنك إنجلترا في وضع الأزمة المالية الكاملة، معلنا إعادة تشغيل مطابع النقود على "أي نطاق يتطلبه الأمر"، وأكد لاحقا أنه كان يخطط لما يصل إلى 65 مليار جنيه استرليني من التسهيل الكمي الجديد.
حاول الوزراء القول إن الاضطرابات المالية الأخيرة كانت عالمية، لكن لم يشك أحد في الأسواق في أن مشكلات المملكة المتحدة كانت نتيجة تخفيضات ضريبية غير ممولة بقيمة 45 مليار جنيه في الميزانية "المصغرة" لكواسي كوارتنج وزير المالية.
انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار والارتفاع الحاد في عائدات السندات الحكومية منذ صدور البيان المالي لكوارتنج الأسبوع الماضي، أديا إلى وضع السياسة الاقتصادية لليز تراس رئيسة الوزراء، في مواجهة صعوبات حادة، وأثارت الخطوة الأخيرة الخاصة بالتسهيل الكمي، التي اتخذها بنك إنجلترا، مزيدا من الأسئلة.
طوال حملتها لقيادة حزب المحافظين، ألقت تراس باللوم على برنامج التسهيل الكمي الذي تبناه بنك إنجلترا بعد الأزمة المالية 2008 - تضمن طباعة أموال لشراء ما قيمته 875 مليار جنيه من السندات الحكومية لتعزيز الاقتصاد - معتبرة أنه تسبب في التضخم.
في تموز (يوليو) قالت "بعض التضخم نتج عن زيادة المعروض النقدي"، لكن بحلول سبتمبر، سمحت حكومتها لبنك إنجلترا بتشغيل مطابع النقود مرة أخرى.
بنك إنجلترا ذكر أن الغرض من شرائه الأخير للسندات الحكومية طويلة الأجل هو استعادة الاستقرار المالي بدلا من زيادة التضخم. سعى البنك المركزي إلى منع ارتفاع مصطنع في عوائد السندات الحكومية التي تزيد آجالها على 20 عاما، ما هدد الملاءة المالية لصناديق المعاشات التقاعدية.
لكن محللين أعربوا عن قلقهم بشأن الكيفية التي يبدو معها أن كوارتنج وبنك إنجلترا يسيران في اتجاهين متعاكسين، من خلال التخفيضات الضريبية غير الممولة من وزير المالية لتعزيز الطلب من جهة، وتحركات البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة للحد من التضخم المرتفع من جهة أخرى.
وفقا لبول هولينجسويرث، خبير اقتصادي في مصرف بي إن بي باريبا "من الصعب أن تبدو متناسقا عندما تكون قدم السياسة المالية على دواسة التسريع والسياسة النقدية على المكابح".
زاد موقف بنك إنجلترا تعقيدا بسبب الكيفية التي تحدث بها أحدث حركة لشراء السندات الحكومية في الوقت نفسه الذي يسعى فيه أيضا إلى تشديد السياسة النقدية، جزئيا من خلال عمليات بيع السندات الحكومية المتراكمة بموجب برنامج التسهيل الكمي بعد 2009. شراء السندات الحكومية الجديدة يترك البنك المركزي عرضة لاتهامات بأنه يغذي التضخم.
قالت بيثاني باين، مديرة محفظة السندات في شركة يانوس هندرسون إنفتسرز "بنك إنجلترا يعرض بسخاء شراء السندات الحكومية طويلة الأجل ابتداء من اليوم. هذا عكس إعلانهم الخميس من الأسبوع الماضي تماما، حين أكدوا أن عمليات بيع السندات ستتم كما هو مقرر ابتداء من الإثنين الثالث من أكتوبر".
مع هذه التناقضات التي تقوض مصداقية السياسة الاقتصادية للمملكة المتحدة، السؤال المهم: هو ما الذي سيأتي بعد ذلك؟
الأربعاء، كان بنك إنجلترا مصرا على أنه سيلتزم بالجدول الزمني الحالي لاتخاذ قرارات بشأن أسعار الفائدة. سيكون الاجتماع المقبل للجنة السياسة النقدية في البنك المركزي في الثالث من نوفمبر.
بحسب جيرارد ليونز، كبير الاستراتيجيين الاقتصاديين في "نيتويلث"، الذي كان يقدم المشورة بشكل غير رسمي لتراس، إذا كان ذلك ممكنا، يجب على بنك إنجلترا "تجنب اتخاذ القرارات بين الاجتماعات" بشأن أسعار الفائدة، مضيفا أن "هذا يؤدي إلى تجنب الشعور بالذعر"، معتبرا معايرة مقياس ارتفاع أسعار الفائدة في اجتماع طارئ للجنة السياسة النقدية سيكون أمرا صعبا.
من جانبه، شدد بنك إنجلترا على رغبته في الخروج بحلول 14 أكتوبر من جهوده الأخيرة لطباعة الأموال، وقال "إن شراء الأصول سيكون محددا زمنيا بصرامة"، على الرغم من أن مسؤولي بنك إنجلترا أشاروا أيضا إلى أن إبقاء التدخل مؤقتا يعتمد على ما وصفوه بـ"التأثيرات البارزة".
يتوقع مسؤولو البنك المركزي أن يهدأ الاضطراب وأن يعود مشترو السندات الحكومية طويلة الأجل حتى لو بقيت العوائد أعلى كثيرا مما كانت عليه في الأسابيع الأخيرة، بمجرد أن ترى الأسواق المالية حجم التدخل الذي كان يقوم به بنك إنجلترا.
قال كالوم بيكرينج، خبير اقتصادي في مصرف بيرنبرج، "إن رسالة بنك إنجلترا كانت لا تقاتل بنكا مركزيا بعملته"، لأنك قد تخسر كثيرا من المال.
لكن وفقا لكثير من الخبراء الاقتصاديين، كانت المشكلة الأعمق لبنك إنجلترا أنه من خلال إنقاذ الوزراء، بدا البنك المركزي على استعداد لطباعة النقود لتمويل الحكومة، وهو أمر تعهد سابقا بعدم فعله لأن له تأثيرا تضخميا.
وصفوا العملية بأنها "هيمنة مالية" لأن وزارة المالية ستكون هي صاحبة القرار، ما يؤدي إلى خروج التضخم عن السيطرة.
قال ألان مونكس، خبير اقتصادي في "جيه بي مورجان"، "التوقعات ليست مواتية لبنك إنجلترا وستؤدي حتما إلى مناقشات حول الهيمنة المالية والتمويل النقدي للعجز في الميزانية".
"من المحتمل أن تكون عملية إعادة شراء السندات نيابة عن السوق لها ما يبررها. لكن هذا الإجراء المتعلق بالسياسة يثير أيضا شبح التمويل النقدي الذي قد يضيف إلى حساسية السوق ويفرض تغييرا في النهج"، كما قال روبرت جيلهولي، كبير الخبراء الاقتصاديين في شركة أبردين.
في وزارة المالية، استمر كوارتنج الذي من المقرر أن يلقي خطابا رئيسا في مؤتمر حزب المحافظين الإثنين المقبل، في التعرض لضغوط لتوضيح كيف يمكن أن تتواءم تخفيضاته الضريبية غير الممولة مع التمويل العام المستدام. الثلاثاء، شن صندوق النقد الدولي هجوما لاذعا على التخفيضات الضريبية لكوارتنج، وحث الحكومة على "إعادة تقييم" الخطة لأن التدابير "غير الموجهة" تهدد بتأجيج التضخم المرتفع.
قال ديفيد بيج، رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي في "أكسا انفستمنت مانجرز"، "من الواضح أن السياسات الحكومية الأخيرة التي تتجاهل الحقائق الاقتصادية مدمرة للغاية من الناحية السياسية، لكنها تثبت أيضا أنها مدمرة من الناحية الاقتصادية".
وأضاف أن وزير المالية لديه، حتى موعد خطابه الأسبوع المقبل، "فرصة لإعادة النظر بشأن ميزانيته المصغرة التي تتضمن تخفيضات ضريبية، وأن رفض تغيير المسار من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم الضغوط في الأسواق المالية في المملكة المتحدة وزيادة الضرر الاقتصادي على المدى الطويل".
رفضت تراس وكوارتنج حتى الآن إعادة النظر. ومع أن عكس المسار بشأن التخفيضات الضريبية أمر ستفضله الأسواق المالية وصندوق النقد الدولي وبعض أعضاء البرلمان من الحزب المحافظ، إلا أنه يبدو المسار الأقل ترجيحا في الوقت الحالي.

الأكثر قراءة