ماذا بعد النيولبيرالية الاقتصادية؟
لسنا متأكدين إذا ما كان العالم قادرا على الانفكاك من نظام النيولبيرالية في ظل صراعات سياسية واقتصادية بين الكتل الشرقية والغربية، فمجموعة الدول الصناعية السبع تمثل مجموعة أساسية تقود العالم اقتصاديا ونقديا عبر السيطرة على النظام العالمي، أي من خلال النظام النقدي وسعر الفائدة، في مقابل أن دولا أخرى مثل الصين وروسيا والهند وبعض الأسواق الناشئة تقف على طرف آخر من معادلة النظام العالمي الجديد، وتمثل نموذج اقتصاد السلع والمواد الخام والطاقة، فالدول الناشئة لا تزال المولد الأساس للنمو الاقتصادي العالمي وتعتمد الاقتصادات المتقدمة على نمو الاقتصادات الناشئة، ويرجع ذلك إلى أن الأموال والاستثمارات تلاحق مناطق النمو الاقتصادي وفي الأغلب نجدها في الدول الناشئة، إلا أن انقسام العالم على النحو الذي نراه حاليا، قد يجعلنا نشهد نشوء مرحلة جديدة يمكن وصفها بالتحولات التي قد تسبق ما بعد النيوليبرالية.
يعزى السبب الجوهري في اعتماد العالم على الاقتصادات الناشئة في النمو وملاحقة الأموال للنمو، إلى خلل لم يكن مقصودا في النيوليبرالية التي صدرتها للعالم كل من بريطانيا 1979 عبر رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت تاتشتر، ورئيس أمريكا في 1981 رونالد ريجان، حيث إن النيوليبرالية وفي أحد مكوناتها تعتمد على زيادة ثروة الأثرياء حتى تفيض ويعاد استثمارها في المجتمع، وحدوث ما يعرف بتأثير الانسياب trickle-down effect، لكنها فشلت لأن الأموال خرجت من الاقتصاد وأصبحت تلاحق فرص النمو حول العالم وفي الدول الناشئة الكبرى مثل الصين، وهذا ما جعل بريطانيا تسعى إلى استعادة الأموال عبر الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، وأمريكا تطبق سياسات ترمب في استعادة الأموال بطرق مختلفة، كما أن أزمتي 2008 المالية و2020 الصحية أدتا إلى إضعاف النيوليبرالية، ولا أستبعد أن عمليات التسهيل الكمي الذي أفرطت أمريكا فيه، أمر مقصود بهدف إحداث خلل اقتصادي كبير مثل التضخم داخل أمريكا، وبعد ذلك تستخدم رفع سعر الفائدة بشكل مفرط لاستعادة الأموال من جميع الدول بطريقة مبررة للعالم.
وإذا ما تأملنا في الصراع العالمي الحالي من منظور اقتصادي، نرى أن الصراع الجيوسياسي يقوم على دول تحاول استعادة الأموال وأخرى تحاول تحسين ظروف تجارتها الدولية، وأطراف النزاع الفعليون اقتصاديا هي مجموعة السبع الصناعية والصين وروسيا، أما الهند فعندها علاقات مع جميع الخصوم وهذا ما يفسر نجاحها في النمو الاقتصادي الأعلى في هذه الأزمة، وقد تكون الرابح الأكبر اقتصاديا، لأنها عضو في المجموعات المتقاطعة مثل: بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون ومبادرة الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي مبادرة لمواجهة نفوذ الصين في آسيا والمحيط الهادئ، أسسها بايدن في 2022 وتعرف اختصارا بـIPEF.
أخيرا، العالم يعيش مرحلة ولادة نظام اقتصادي جديد، لكن هل سيكون نظاما محدثا من الرأسمالية التقليدية أو نظاما تولده الحروب القائمة حاليا.