كيف يتجنب العالم الأزمات الاقتصادية؟
يدرك علماء الاقتصاد والمنظمات الدولية المعنية بالاقتصاد الدولي، كصندوق النقد والبنك الدوليين، أن العالم يعيش حالة من التخبط في السياسات الاقتصادية بسبب الصدمات التي تعرض لها منذ 2008 ولا يزال يحاول التخلص من تبعاتها، ولا توجد وصفة ناجعة يمكن استخدامها لتلائم كل الدول أو حتى لاحتواء الصدمات دون آثار مدمرة، فضلا عن إدارة الأزمات الاقتصادية بموثوقية، لذا تأتي أهمية جودة قرارات صناع السياسات الاقتصادية على مستوى كل دولة في تصميم سياسات استباقية واحتوائية، تتعاطى مع كل حالة عدم يقين وبهامش من التبصر الاقتصادي ـ إن صح التعبير ـ ولا سيما أن بعض المخاطر الاقتصادية كانت آثارها تتشكل في الأفق، لكن تجاهلها حولها إلى واقع مرير حتى على مجموعة G7، ما فعله الأوروبيون في قضايا البيئة والتضحية بالنمو الاقتصادي، وكذلك الأمريكيون في تقليص الاستثمارات الجديدة للنفط، والإفراط في التسهيل الكمي ودون هامش أمان للمخاطر المستقبلية، جعل اندلاع الأزمة الروسية ـ الأوكرانية لعنة على الأوروبيين والأمريكيين، لأنه لم يكن من ضمن مخاطرهم اندلاع الحروب، على سبيل المثال.
جذر معظم المشكلات التي يعيشها العالم اقتصاديا يرجع إلى: أولا، سوء إدارة الصدمات الاقتصادية والخوف المفرط من صناع السياسات المالية والاقتصادية عند حدوث صدمة ما. ثانيا، تجاهل إدارة المخاطر الاستراتيجية الاقتصادية المستقبلية كمفهوم عام ومصاحب للسياسات الاقتصادية، لهذا لا نراه ضمن الأدوات التي يفترض أن تكون مصاحبة لبيانات السياسات الاقتصادية والمالية، ومخاطر فشل القرارات الاقتصادية لا يتم الإفصاح عنها، ولا سيما أن جميع الصدمات الاقتصادية منذ 2008 تشترك في عنصر تجاهل التداعيات المستقبلية المحتملة وسبل علاجها، إن حدثت، وما هي الحدود الآمنة التي يجب تعيينها سلفا أو في بداية الصدمة، التي يمكن وصفها بعتبة الخطر المقبول Risk Threshold.
الأزمات الاقتصادية التي طالت العالم كان يقود قراراتها في الغالب مصرفيون غير اقتصاديين وهذا يجعلنا كاقتصاديين نفكر، هل يتم أخذ آراء وتحذيرات الاقتصاديين على محمل الجد؟ وهل الاقتصاديون فعلا لهم صلاحيات كافية تخولهم التأثير في السياسات الاقتصادية والمالية، ولا سيما أن معظم الصدمات كسرت قانونا أو أكثر من قوانيين الاقتصاد المستقرة؟
ربما من الملائم أن نضع بعض التوجيهات والسياسات الاسترشادية للحد من تكرار الأزمات الاقتصادية العالمية ـ حتى إن كان الأمر متأخرا، أولا، يتعين أن يكون الاقتصاد الحقيقي مقاربا للاقتصاد المالي، أي عبر مؤشرات اقتصادية يتم الاتفاق عليها عالميا، بمعنى آخر، تقليص استخدام الروافع المالية والنقدية إذا لم يستجب الاقتصاد الحقيقي. ثانيا، إدخال مفهومين جديدين إلى الإدارة الاقتصادية، مفهوم الحوكمة الاقتصادية وإدارة مخاطر السياسات الاقتصادية والمالية، وتحديد عتبات خطر متعددة المستويات يلتزم بها صناع السياسات الاقتصادية في البنوك المركزية، ويفضل أن يتولى الاقتصاديون بالتخصص الأكاديمي تقرير حدود تلك المخاطر ومستويات قبولها وآليات المعالجة المستقبلية، ويتم الإفصاح عنها وحوكمتها وفق مستويات أعلى تنظيميا.