رحلة الوصول

السعودية تنتهج أسلوبا رشيقا في تحولها نحو الاعتماد على جودة النمو الصناعي بدلا من كميته، وتسير الخطة الاقتصادية الصناعية الجديدة في مسارات نوعية عبر التوسع في الصناعات المرتبطة بالنفط والغاز، كقدرة تنافسية عليا Grand Competitiveness ثم الصناعات الواعدة، كالصناعات العسكرية والسيارات والأدوية والأغذية. إن الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي صدرت أخيرا اعتمدت على منهجية العناقيد الصناعيةIndustrial Clusters، أي تجمع مكاني لصناعة في مكان ما لتحسين التكاليف والبنية التحتية واللوجستية المتخصصة والتنافسية التطويرية، التي يشار إليها على المستوى الوطني بالتجمعات الصناعية، إضافة إلى أن الاستراتيجية الصناعية اعتمدت على التقسيم الاستراتيجي والأولوياتstrategic segmentation & priorities من خلال مجموعة من السلع الصناعية والقطاعات، أي تلك السلع النوعية والمتوافقة مع متطلبات الصناعة وموارد وقدرات المملكة المحلية واحتياجاتها والاتجاهات العالمية، وبلغ مجموع تلك الاختيارات 118 سلعة و12 استراتيجية قطاعية ذات أولوية.
أعتقد أن أصعب استراتيجية يمكن بناؤها، الاستراتيجيات الصناعية للدول، ويعزى ذلك إلى تعقيد المنظومة الصناعية وتباين القدرات والموارد ومدى الفهم العميق المبني على تصنيف وتوافر البيانات الاقتصادية الداخلية، وبيانات الـVCG سلاسل القيمة العالمية value chains global، بما في ذلك سلاسل القيمة المحلية والممكنات اللازمة، التي تحتاج إلى قدرات واستثمارات متنوعة وطويلة الأمد، وتاريخ اقتصادي ممتد، حتى تتشكل وتصبح معالم الاستراتيجية واضحة للمخطط الاستراتيجي وصناع السياسات الاقتصادية.
إن الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي أعلنت في 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2022 أجابت عن واحدة من الأسئلة الاقتصادية الأكثر أهمية وإلحاحا، أي عن شكل النموذج الصناعي ورحلة الوصول الصناعية لبلد مثل السعودية، ومن المثير للاهتمام أن الممكنات المشتركة بين جميع القطاعات وصلت أولا في برامج الرؤية 2030، كتعديل نموذج التمويل الوطني للاقتصاد وكان بقيادة "مبادرة تطوير القطاع المالي"، كما أن ترقية المؤسسات المالية الصناعية مثل بنك التصدير والاستيراد السعودي، كان من الإنجازات التي ظهرت مبكرا في رؤية 2030، إضافة إلى تأسيس هيئة في البحث والتطوير والابتكار وذلك لأهميتها في الصناعة، أما قطاع الخدمات اللوجستية الذي يمثل الجهاز العصبي للقطاع الصناعي وجميع القطاعات التجارية والخدمية، فقد نجح في وقت مبكر في رفع الطاقة الاستيعابية اللوجستية العامة وسرعتها وخفض تكلفة الشحن داخليا، وفي الوقت نفسه لا يمكننا تخطي نجاحات المحتوى المحلي في استبقاء النقد الوطني للمشتريات وزيادة الكتلة النقدية المرشحة للاستثمار في الصناعة، وتنامي تشابك بعض القطاعات صناعيا من أجل الوفاء بمتطلبات قياس زيادة نسبة المحتوى المحلي الكلية، ولا سيما من الشركات الكبرى، مثل: أرامكو، سابك، الاتصالات، معادن، وشركة الكهرباء والتحلية.
ختاما، استطعنا في السعودية أن نبني نموذجا تحويليا في المجال الاقتصادي يردم الفجوة بين النظريات واللياقة التنفيذية وواقع الدول. هذا النموذج يلائم حتى الاقتصادات المشابهة للسعودية في المنطقة والاقتصادات الناشئة، ويمكن أن نطلق عليهSaudi vision theory أي "نظرية الرؤية السعودية"، وهو مفهوم تحويلي اقتصادي وتنموي واستراتيجي وتنفيذي بطريقة مزدوجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي