استراتيجية للصناعة «2»
تمتد فترة تعامل الاستراتيجية الصناعية إلى 2035، فتره طويلة تسمح بظروف ومتغيرات كثيرة لقطاع يخضع بطبيعته لفرص ونزوات الاستثمار، خاصة في القطاع الخاص. الاختبار الحقيقي للاستراتيجية ليس تحقيق أرقام معينة، لأن التوقعات طويلة المدى في الأغلب تغالط كاتبها. لكنه تحقيق دور أعلى أهمية في المعادلة الاقتصادية واللحاق بالدول المتقدمة. كذلك أحد معايير النجاح هو تأسيس قاعدة مؤسساتية قادرة ومرنة تستطيع ارتقاء سلم المعرفة، وتكوين طاقم بشري فاعل.
أثناء إشهار الاستراتيجية، تحدث الوزراء ذوو العلاقة بحماس إيجابي واستعداد للتعامل مع الصعوبات والتحديات، لكن أيضا كان واضحا مدى حجم التحديات. في نظري، هناك خمسة تحديات لا بد من التعامل معها لتهيئة الأرضية الخصبة للصناعة.
التحدي الأول - في نظري - ثقافي يتعلق بالبيئة العامة اقتصاديا. الحالة الاقتصادية في المملكة يسيطر عليها طابع استهلاكي تقابلها حالة تجارية في قطاع الأعمال، تنافسية في بعض نواحيها وغير تنافسية في نواح أخرى، لذلك هناك تشوه في السوق التجارية يؤثر تباعا في أي قراءة للسوق عامة. تنافسية السوق التجارية تسهم في تغير التفكير نحو الصناعة والحماية والاستهلاك. قبول استحقاقات المنافسة يساعد على الاستعداد الذهني والفرز البشري. لذلك لا بد من درجة أعلى في التنسيق مع وزارة التجارة وهيئة المنافسة.
دور العنصر البشري حاسم، لذلك ذكرت الاستراتيجية تسهيل استقدام الأيدي الماهرة من الخارج. لم يكن العنصر البشري في قلب الاستراتيجية، لذلك أرى أن هذا أحد أهم التحديات. أحد جوانب المنافسة العالمية اليوم، يدور حول استقطاب العقول من كل أنحاء العالم. إحدى تبعات التحدي في المملكة أن الأيدي الوافدة حاليا كبيرة، لكن توزيعها التعليمي والمهاري لا يتماشى مع الصناعات المستهدفة في الاستراتيجية، ما يجعل عملية التحول صعبة. كذلك تغلب على توزيع الطلاب في المملكة ناحيتان تحتاجان إلى إعادة هيكلة تناسب العصر الصناعي: الأولى، التوجه للجامعات على حساب التعليم الفني. والأخرى، الطابع النظري الاجتماعي والإداري لأغلب التخصصات. لم أجد توصيات محددة لهذا الجانب في الاستراتيجية. لذلك لا بد من التنسيق مع وزارتي التعليم والموارد البشرية. تهيئة القاعدة البشرية تقود إلى تبادل الخبرات الدولية، كما حدث في تجارب كوريا وتايوان.
الناحية الثالثة تتمثل في البعد الدولي والتعامل معه كعنصر مهم جدا من حيث الأسواق ونقل التقنية والاستثمار المتبادل، خاصة في اقتناص الفرص. أثبتت التجارب أن نقل المعرفة والتقنية يحتاج إلى استعداد اجتماعي وفردي للمغامرة والعمل في الخارج لمهندسين سعوديين والتعاون معهم من قبل الشركات السعودية.
الفرص تتطلب استعدادا ذهنيا حتى شجاعة وانتهازية في بعض التصرفات. تداخل هذه العوامل يقود إلى ضرورة المتابعة والقياس، خاصة أن المشوار طويل ومعقد. لذلك أقترح أن نرتقي بهيئة المحتوى الوطني والمشتريات تحليليا وتغيير دورها لتكون هيئة تنظيمية رقابية على مسافة واحدة من القطاعين، من المهام المقترحة هنا متابعة تطور الروابط الراسية وسلم القيمة المضافة. التحدي الخامس الحاجة إلى رفع الاستثمارات المالية من خلال الصندوق الصناعي، وأيضا الدعم المباشر ربما للضعف، خاصة أن بعض نواحي الاستثمار يتطلب مبالغ كبيرة، مثل الموصلات الإلكترونية والأسلحة. الاستراتيجية خطوة مهمة وقيادية رائدة وستحقق أهدافها بالتغلب على هذه التحديات.