أزمة ديون الركود التضخمي حاضرة فعليا «2 من 2»

دأبت لفترة طويلة أيضا على الزعم بأن البنوك المركزية، بصرف النظر عن حديثها الخشن، ستستشعر ضغوطا هائلة لإلغاء تدابير إحكام سياساتها بمجرد تحقق سيناريو الهبوط الاقتصادي العنيف والانهيار المالي. الواقع أن العلامات المبكرة التي تشير إلى التراجع بات من الممكن تمييزها الآن بالفعل في المملكة المتحدة. ففي مواجهة استجابة السوق للتحفيز المالي المتهور من جانب الحكومة الجديدة، أطلق بنك إنجلترا برنامج طارئ للتيسير الكمي لشراء سندات الحكومة "التي ارتفعت عوائدها بشكل كبير".
تخضع السياسة النقدية على نحو متزايد للسيطرة المالية. وأذكر هنا أن تحولا مماثلا حدث في الربع الأول من 2019، عندما أوقف الاحتياطي الفيدرالي برنامج الإحكام الكمي وبدأ ملاحقة خليط من التيسير الكمي وخفض أسعار الفائدة الرسمية في الخلفية ــ بعد الإشارة سابقا إلى استمرار زيادة أسعار الفائدة والتيسير الكمي ــ عند أول علامة دلت على نشوء ضغوط مالية معتدلة وتباطؤ النمو. ستتحدث البنوك المركزية بحزم، لكن الأمر لا يخلو من سبب وجيه للشك في استعدادها لفعل "كل ما يلزم" لإعادة التضخم إلى المعدل المستهدف في عالـم يتسم بالديون المفرطة في ظل مخاطر انهيار اقتصادي ومالي.
علاوة على ذلك، تتكاثر علامات مبكرة تشير إلى أن الاعتدال العظيم تنحى ليفسح المجال للركود التضخمي العظيم، الذي سيتسم بعدم الاستقرار وتلقي صدمات العرض السلبية بطيئة الحركة. إضافة إلى الارتباكات المذكورة، من الممكن أن تشمل هذه الصدمات الشيخوخة المجتمعية في عديد من الاقتصادات الرئيسة "وهي مشكلة تفاقمت بفعل القيود المفروضة على الهجرة"، والانفصال الصيني الأمريكي، و"الكساد الجيوسياسي" وانهيار التعددية، والمتحورات الجديدة من كوفيد - 19 والفاشيات المرضية الجديدة، مثل جدري القرود، والعواقب متزايدة التدمير المترتبة على تغير المناخ، والحرب السيبرانية، والسياسات المالية لتعزيز الأجور وقوة العمال.
ترى أين تترك هذا المحفظة التقليدية 60/40؟ في السابق كنت أزعم أن علاقة الارتباط السلبية بين أسعار السندات والأسهم ستنهار مع ارتفاع التضخم، وهذا ما حدث بالفعل. خلال الفترة من يناير إلى يونيو من هذا العام، هبطت مؤشرات الأسهم الأمريكية "والعالمية" بأكثر من 20 في المائة في حين ارتفعت العائدات على السندات طويلة الأجل من 1.5 في المائة إلى 3.5 في المائة، ما أدى إلى خسائر فادحة في كل من الأسهم والسندات "علاقة ارتباط إيجابية بين الأسعار".
علاوة على ذلك، انخفضت عائدات السندات أثناء ارتفاع السوق خلال الفترة من يوليو إلى منتصف أغسطس "وهو ما تنبأت بشكل صحيح بأنه سيكون ارتدادا زائفا"، ما حافظ بالتالي على علاقة الارتباط الإيجابية بين الأسعار، ومنذ منتصف أغسطس، واصلت الأسهم هبوطها الحاد في حين ازدادت عائدات السندات ارتفاعا. ولأن التضخم الأعلى أدى إلى سياسة نقدية أشد إحكاما، نشأت سوق هابطة متوازنة لكل من الأسهم والسندات.
لكن الأسهم الأمريكية والعالمية لم يكتمل تسعيرها حتى في ظل هبوط عنيف معتدل وقصير الأمد. تنخفض أسعار الأسهم بنحو 30 في المائة في الركود المعتدل، ونحو 40 في المائة أو أكثر في ظل أزمة الديون التضخمية الركودية التي توقعتها للاقتصاد العالمي. والآن تتصاعد علامات الإجهاد في أسواق الديون: إذ تواصل الفوارق السيادية وأسعار السندات طويلة الأجل الارتفاع، كما تتزايد بشكل حاد هوامش العائد المرتفع، وتغلق أسواق التزامات القروض المضمونة أبوابها، وتنزلق الشركات المثقلة بالديون، وبنوك الظل، والأسر، والحكومات، والبلدان إلى ضائقة الديون. إن الأزمة حاضرة بيننا بالفعل.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

#summary
الآن تتصاعد علامات الإجهاد في أسواق الديون: إذ تواصل الفوارق السيادية وأسعار السندات طويلة الأجل الارتفاع، كما تتزايد بشكل حاد هوامش العائد المرتفع، وتغلق أسواق التزامات القروض المضمونة أبوابها، وتنزلق الشركات المثقلة بالديون، وبنوك الظل، والأسر، والحكومات، والبلدان إلى ضائقة الديون. إن الأزمة حاضرة بيننا بالفعل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي