لا تقتلوا الاقتصاد العالمي لاعتبارات جيوسياسية «2 من 2»

لقد تجاوزت الولايات المتحدة خطا مهما الآن. يثير مثل هذا النهج العريض مخاطر كبيرة في حد ذاته ـ حتى إن كان من الممكن تبريره جزئيا بالطبيعة المتشابكة للقطاعات التجارية والعسكرية في الصين. بالنظر إلى القيود الأمريكية الجديدة بشكل صحيح على أنها تصعيد عدواني، ستجد الصين الطرق التي يمكنها من خلالها رد العدوان، ما يزيد من التوترات ويؤجج المخاوف المتبادلة.
تسعى القوى العظمى "كل الدول في حقيقة الأمر" إلى رعاية مصالحها وحماية أمنها الوطني، فتتخذ تدابير مضادة في مواجهة قوى أخرى حسب الضرورة. لكن كما زعمت أنا وستيفن والت، يستلزم النظام العالمي الآمن والمزدهر والمستقر أن تكون مثل هذه الاستجابات خاضعة لمعايرة دقيقة. هذا يعني أنها يجب أن تكون مرتبطة بوضوح بالضرر الذي تسببت سياسات الجانب الآخر في إحداثه، وأن يكون المقصود منها فقط التخفيف من التأثيرات السلبية المترتبة على هذه السياسات. لا ينبغي ملاحقة الردود والاستجابات لغرض صريح يتمثل في معاقبة الطرف الآخر أو إضعافه في الأمد البعيد. ومن الواضح أن ضوابط بايدن التي تمنع تصدير التكنولوجيا الفائقة لا تجتاز هذه الاختبار.
يعمل النهج الأمريكي الجديد في التعامل مع الصين أيضا على صنع نقاط عمياء أخرى. تؤكد استراتيجية الأمن الوطني على "التحديات المشتركة"، مثل تغير المناخ والصحة العامة العالمية، حيث سيكون التعاون مع الصين بالغ الأهمية. لكنها لا تعترف بأن الانخراط في حرب اقتصادية ضد الصين يقوض الثقة وآفاق التعاون في هذه المجالات الأخرى. وهي تشوه أيضا الأجندة الاقتصادية المحلية من خلال رفع هدف التفوق على الصين إلى مستوى من الأهمية أعلى من أهداف أخرى أعظم قيمة واستحقاقا. إن الاستثمار في سلاسل توريد أشباه الموصلات الذي يحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة ومهارات عظيمة ـ وهو ما تركز عليه السياسة الصناعية الأمريكية حاليا ـ يـعـد أكثر الطرق تكلفة لإيجاد وظائف جيدة في الاقتصاد الأمريكي لمن هم في أشد الحاجة إليها.
من المؤكد أن الحكومة الصينية أيضا تدافع عن أمنها باستخدام سياسات شبيهة. فقد أصبحت على نحو متزايد تعزز وتستعرض قوتها الاقتصادية والعسكرية، رغم أن ردود فعلها كانت مقتصرة في الأغلب الأعم على جيرانها. وفرضت الصين عقوبات اقتصادية على أستراليا عندما دعت إلى إجراء تحقيق بشأن منشأ مرض فيروس كورونا 2019 كوفيد - 19.
كانت مشكلة العولمة المفرطة أننا سمحنا للبنوك الكبرى والشركات الدولية بكتابة قواعد الاقتصاد العالمي. من المناسب تماما أننا نتحرك الآن بعيدا عن ذلك النهج، نظرا إلى مدى الضرر الذي ألحقه بنسيجنا الاجتماعي. الآن أصبحت الفرصة سانحة لصياغة عولمة أفضل. لكن من المؤسف أن القوى العظمى اختارت فيما يبدو مسارا مختلفا، بل حتى أسوأ. وهي الآن تسلم مفاتيح الاقتصاد العالمي إلى مؤسساتها الأمنية الوطنية، ما يعرض السلام والازدهار العالميين لمخاطر جسيمة.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي