لماذا لم تواجه «فيزا» و«ماستركارد» مصير «كوداك»؟
يوجد الآن 332 شركة تكنولوجيا مالية خاصة في العالم، وفقا لتصنيف جديد من بوابة الأعمال التجارية الصغيرة "فاينتيك لابز".
والمدهش بالقدر نفسه، هو الهيمنة داخل عالم التكنولوجيا المالية الذي يضم شركات مليارية تتعامل بطريقة أو أخرى مع المدفوعات. ثمانية من أعلى عشرة مراكز في تصنيف "فاينتك لابز" تحتلها شركات هذا القطاع: "باي بال"، و"آنت"، و"سترايب"، و"شوبيفاي"، و"أدين"، و"بلوك" ـ شركة سكوير سابقا ـ و"تشيك آوت دوت كوم"، و"آفتر باي".
كان المحرك الرئيس لهذه الطفرة هو الانخفاض المستمر في السيولة النقدية في جميع الاقتصادات الرئيسة وما يصاحبه من تسارع في المدفوعات الرقمية. وفقا لمزود البيانات "ميرشانت ماشين"، الاقتصادات الأكثر رقمنة، بما فيها السويد وسنغافورة والمملكة المتحدة والدنمارك، تجري الآن 1 في المائة فقط من معاملات المدفوعات نقدا.
لا يقتصر الأمر على شركات التكنولوجيا المالية. شركات التكنولوجيا الكبرى والبنوك الراسخة غصت بالمثل بالمدفوعات والخدمات الجديدة. لكن هناك أمرا غريبا على نحو لافت في قصة تعطيل السوق هذه. فعلى عكس اندثار شركة كوداك للأفلام والصور على يد شركات الكاميرات الرقمية، أو زوال "بلوك باستر" عندما حلت مشاهدة الأفلام عبر الإنترنت محل تأجير أفلام الفيديو، فإن الشركات القديمة في عالم المدفوعات تزدهر.
سجلت "فيزا" الشهر الماضي صافي دخل سنوي 15 مليار دولار، بزيادة 21 في المائة على أساس سنوي. وتتداول كل من أسهمها وأسهم "ماستركارد" قرب مستويات قياسية مرتفعة. تبلغ قيمتهما السوقية مجتمعة 765 مليار دولار، وهي قيمة ظلت ثابتة خلال العام الماضي، حتى مع انخفاض السوق الأوسع الحادة. من المفارقات أن الشركات المنافسة، الكبيرة منها والصغيرة، هي التي تعاني أكثر.
التفسير الأساسي بسيط: حتى أذكى شركات التكنولوجيا المالية لا تتسبب بشكل أساسي في تعطيل السوق، بل هي فقط تدخل نفسها في بنية المدفوعات الحالية. صحيح أنها ربما تسهل الحياة للمستهلك أو التاجر بتقديمها معالجة خلفية أسرع، أو واجهات نقاط بيع أكثر سلاسة، لكن ليس على حساب "فيزا" و"ماستركارد"، اللتين تعتمد جميع الشركات على "شبكتيهما" الإلكترونيتين تقريبا.
ربما تبدو شركات البطاقات القديمة الكبرى مستعدة لاستقبال تغييرات، وما يسهل ذلك رسوم "التبادل" المرتفعة المفروضة على التجار "بمتوسط 2 في المائة في الولايات المتحدة". لكن بفضل انتشار عملياتها في كل ركن من أركان العالم، كان من المستحيل أو غير الجذاب اقتصاديا للمنافسين المحتملين إنشاء أنواع جديدة من الشبكات.
السؤال المهم وسط هذا الجنون من الابتكار في مجال التكنولوجيا المالية، هل سيتغير ذلك؟ هناك خمسة أسباب تدعو إلى الاعتقاد أنه ربما يتغير.
أولا، تويتر. في الوقت الحالي، لعل الأمر يبدو كما لو أن إيلون ماسك يفجر الشركة التي اشتراها أخيرا مقابل 44 مليار دولار. لكن من السيارات الكهربائية إلى الصواريخ، فإن ماسك هو رئيس التغيير الذي يتحدى المتشككين. باعتباره أحد مؤسسي "باي بال" الأوائل، سعى منذ فترة طويلة إلى هز عالم المدفوعات، ووضع أخيرا خططا لتحويل تويتر إلى منصة مدفوعات.
ثانيا، التشفير. قد تبدو فكرة استخدام العملات المشفرة لتسهيل المدفوعات السائدة فكرة غير منطقية، نظرا للاضطرابات في القطاع، الناجمة عن فشل صندوق التحوط "إف تي إكس". لكن بعض الخدمات الأساسية تعتمد بالفعل على التشفير. شبكة "ريبل"، التي تستخدم عملتها المميزة وهيكل "بلوكتشين" لمعالجة المدفوعات السريعة والرخيصة، العابرة للحدود، لعملاء البنوك، واثقة بأن هذه التكنولوجيا هي المفتاح لتبديل الآليات عالية التكلفة المعمول بها حاليا.
ثالثا، "علي باي". الصين أحد الأماكن القليلة التي لم تحتلها "فيزا" و"ماستركارد" - وشبكة بطاقات الائتمان المملوكة للدولة في الصين، "يونيون باي"، أقل تطورا بكثير. أعطى ذلك قطاع التكنولوجيا المالية الخاص، "علي باي" وكذلك منافستها "وي تشات"، الفرصة لتطوير شبكتيهما للمدفوعات الرقمية. مع تصاعد التوترات في الصين على الصعيد الدولي، من المرجح أن يتم إحباط طموحات "علي باي" بالتوسع في الخارج.
رابعا، "أبل". من بين جميع شركات التكنولوجيا الكبرى، يبدو أن "أبل" لعبت بشكل أكثر طموحا على المدفوعات والتمويل. علاوة على محفظتها "أبل باي"، تقدم الشركة بطاقة ائتمان بالتعاون مع "جولدمان ساكس"، وغامرت أخيرا على جبهة "اشتر الآن وادفع لاحقا" باستخدام ميزانيتها العمومية الخاصة. لم تعلق "أبل" على خططها المستقبلية، لكن بعضهم يعتقد أنها قد تطمح إلى إطلاق خدمة تشبه "علي باي".
أخيرا، بنك جيه بي مورجان. لم يكن من المرجح قط أن تكون البنوك الكبرى هي التي تتسبب في تعطيل شركات البطاقات الكبرى. فهي تكسب مليارات الدولارات كل عام من رسوم التبادل. لكن "جيه بي مورجان" أثار خلافا داخليا نشأ من سعيه وراء خطة لتطوير منافس للدفع عن طريق البنوك يسمح بالتحويلات المصرفية السهلة.
قد يتحقق بعض مما سبق أو لا يتحقق أبدا. لكن مع وجود مثل هذا التمزق في المدفوعات الرقمية في الأعوام الأخيرة، فإن فرص حدوث ما حل بـ"كوداك" ستزداد فقط.