طلب عالمي متزايد على الأسمدة مقابل عرض محدود .. والرهان على الفوسفات
مع تزايد الطلب العالمي على الأسمدة، مقابل عرض محدود بسبب تداعيات جائحة كوفيد – 19، ثم الحرب في أوكرانيا، ظهرت على الساحة الدولية أهمية الفوسفات في صناعة الأسمدة.
وبحسب "الفرنسية"، يقول عبدالرحيم هندوف الخبير في السياسات الزراعية إن هذا يجعل من الفوسفات "مادة استراتيجية، حيث يتزايد الطلب على الغذاء بتزايد سكان العالم من دون أن تتزايد المساحات المزروعة".
ويضيف أن هذا "يجعل من الأسمدة الوسيلة الأنجع لرفع مردودية المزارع"، مشيرا إلى أنه "في إفريقيا وحتى بعض الدول المتطورة، لا تزال هذه المردودية ضعيفة نظرا للافتقار للأسمدة، لذلك سيتزايد الطلب عليها مستقبلا".
وحذر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" هذا العام من أن "وفرة الأسمدة دوليا تظل محدودة.. والتوترات الجيوسياسية يمكن أن تفرض قيودا جديدة على العرض في المدى القصير".
وسجل المغرب للعام الثاني عائدات قياسية من صادرات الفوسفات الذي تملك أكبر احتياطي عالمي منه، مستفيدا من ارتفاع الطلب عالميا على الأسمدة.
والمغرب الذي يملك 70 في المائة من احتياطي الفوسفات العالمي، هو أول منتج في إفريقيا والثاني في العالم بعد الصين.
وتمثل حصة المغرب من السوق الدولية لهذا المعدن نحو 31 في المائة، بحسب "المجمع الشريف للفوسفات" الذي يحتكر استغلاله وتصنيعه.
ويتوقع أن يرتفع رقم أعمال المجمع نهاية العام 56 في المائة مقارنة بالعام الماضي، ليصل إلى أكثر من 131 مليار درهم "نحو 12 مليار دولار"، بعدما سجل ارتفاعا نسبته 50 في المائة بين 2020 و2021.
نظرا لهذا التوتر، ارتفعت صادرات المغرب من الفوسفات حتى أواخر أيلول (سبتمبر) 66.6 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بقيمة تفوق 91 مليار درهم "نحو ثمانية ملايين دولار"، وفق آخر نشرة لمكتب الصرف "رسمي".
ويعزو منير حليم الخبير في القطاع هذه الأرقام القياسية في الأساس إلى الإقبال الكبير على الأسمدة خلال فترة الخروج من الجائحة، ثم العقوبات التي فرضت على الصادرات الروسية.
كما يشير إلى "القيود الصارمة التي وضعتها الصين على صادراتها علما بأنها مصدر رئيس لهذه المادة، وارتفاع الطلب من جانب الهند، أحد أكبر المستوردين عالميا".
ويراهن المغرب على الاستفادة من احتياطيه الضخم لزيادة إنتاجه من الأسمدة. فقد رفع المجمع طاقته الإنتاجية من 3.4 مليون طن في 2008 إلى 12 مليونا العام الماضي. ويتوقع أن تبلغ 15 مليون طن عند نهاية 2023.
وأعلن الديوان الملكي المغربي في بيان السبت عن مخطط استثماري يطمح إلى "الرفع من قدرات إنتاج الأسمدة مع الالتزام بتحقيق الحياد الكربوني قبل 2040". ويهدف هذا البرنامج الذي خصص له نحو 12 مليار دولار، إلى تزويد جميع المنشآت الصناعية للمجمع بالطاقة الخضراء في أفق عام 2027.
ويستغل المجمع أربعة مناجم، يمثل أحدها في الصحراء الغربية نحو 8 في المائة من مجموع الإنتاج.
بموازاة طموحه إلى رفع إنتاج الأسمدة، كثف المجمع حضوره الدولي في الأعوام الأخيرة وخصوصا في إفريقيا حيث يملك فروعا في 16 دولة بينها مشروع لإنشاء مصنع للأسمدة في نيجيريا افتتح أخيرا، وآخر أعلن عن اتفاق لإنشائه في إثيوبيا في سبتمبر.
كما أعلن أخيرا أنه سيخصص العام المقبل أربعة ملايين طن من الأسمدة "لدعم الأمن الغذائي في إفريقيا". وهذا بعدما أرسل نحو 500 ألف طن إلى دول إفريقية هذا العام إما مجانا أو بأسعار مفضلة.
تصف وسائل إعلام محلية نشاط المجمع خلال الأعوام الأخيرة "بالورقة الرابحة للدبلوماسية المغربية" على حد تعبير صحيفة "لوبينيون"، أو "الذراع الاقتصادية للدبلوماسية المغربية" حسب صحيفة "ليكونوميست" التي تساءلت "هل سيصبح المغرب متحكما في السوق مستقبلا؟".
وأشار وزيرا خارجية المغرب وجواتيمالا في بيان مشترك في سبتمبر إلى "التركيز على الفلاحة والأسمدة" في التعاون بين البلدين.
ويوضح تاج الدين حسيني الخبير في العلاقات الدولية أن المغرب "يوظف في الأعوام الأخيرة أذرعه الاقتصادية بطريقة براجماتية بعيدة عن منطق المساومة.. وعندما تتعمق العلاقات الاقتصادية سيكون لها أثر سياسي".
بشكل عام أطلق المغرب في الأعوام الأخيرة سياسة طموحة لتعزيز مكانته في إفريقيا عبر تعزيز حضوره الاقتصادي في عدد من الدول.
وأضاف بيان القصر الملكي المغربي، أن مصطفى التراب، الرئيس والمدير العام للمجموعة، قدم أمام الملك "البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد لمجموعة المجمع الشريف للفوسفات، ويرتكز هذا البرنامج على الرفع من قدرات إنتاج الأسمدة، مع الالتزام بتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2040، وذلك من خلال الاعتماد على الإمكانات الفريدة من الطاقة المتجددة.. من خلال الاستثمار في الطاقة الشمسية والطاقة الريحية".
وأفاد أن "هذه الطاقة الخالية من الكربون ستمكن من تزويد المنشآت الجديدة لتحلية مياه البحر، من أجل تلبية احتياجات المجموعة وكذا تزويد المناطق المجاورة لمواقع المجمع الشريف للفوسفات بالماء الصالح للشرب والري".
وقال إن هذه الاستثمارات ستمكن "على المدى البعيد من وضع حد لاعتماد المجموعة على واردات الأمونياك"، إذ تعد المجموعة المستورد الأول لهذه المادة على مستوى العالم، وذلك عبر الاستثمار "في سلسلة الطاقات المتجددة، الهيدروجين الأخضر، الأمونياك الأخضر، مما سيمكنها من ولوج سوق الأسمدة الخضراء بقوة".
ويعد المغرب أكبر مصدر للفوسفات في العالم.
وارتفعت قيمة واردات المجمع الشريف للفوسفات من الأمونيا إلى 1.65 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، بزيادة 234 في المائة بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا.
وقاد الفوسفات ومشتقاته، بما في ذلك الأسمدة، قيمة صادرات المغرب للارتفاع إلى مستوى قياسي بلغ 9.5 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من العام في ظل ارتفاع الأسعار في السوق الدولية.
ونمت حصة مصادر الطاقة المتجددة في الطاقة الإنتاجية للمغرب إلى 38 في المائة العام الماضي وتعتزم البلاد زيادتها إلى 52 في المائة بحلول 2030.