العزلة ومواقع التواصل

ليس من المستغرب أن نجد الملايين من البشر يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي كان من المفترض أن تتفوق إيجابياتها على سلبياتها، فهي بلا شك مكنت من اكتساب أصدقاء جدد وأزالت الحواجز والحدود بين مرتاديها.
وكان من المؤمل أن تؤدي بالتالي إلى انحسار العزلة، وأن تكون مصدر سعادة وربما شفاء لبعض الأعراض النفسية، إلا أن الواقع أثبت مع الأسف خلاف ذلك، إذ أصبحت العزلة أحد أبرز الآثار التي نتجت عن مواقع التواصل الافتراضية.
وقد ثبت ذلك علميا من خلال دراسة أجريت أخيرا في جامعة بتسبرج في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، وتم نشر نتائجها في المجلة "الأمريكية للطب الوقائي". الدراسة شملت أكثر من 1700 شخص من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، كالفيسبوك وتويتر وجوجل ويوتيوب، وإنستجرام، وسناب شات، وغيرها.
وقد خلصت الدراسة إلى أنه كلما ازداد استخدام الشخص لوسائل التواصل الاجتماعي، زاد شعوره بالعزلة الاجتماعية. كما أشارت الدراسة إلى أن المشاركين يملكون مؤشرات عالية على وجود بوادر اكتئاب، وهذا الأمر يتناسب طرديا مع مدة الاستخدام.
الباحثون في الدراسة أرجعوا سبب شعور رواد "السوشيال ميديا" بالعزلة إلى أنهم كلما قضوا مدة كبيرة في متابعة تلك المواقع، قل تفاعلهم مع الآخرين في الواقع! إن تسارع نبض التقنية الحديثة أسهم بشكل واضح في عزلة البشر حتى بين الأصدقاء، بل بين أفراد الأسرة الواحدة. وصدق الشاعر الشعبي:
ما عاد والله للمجالس وناسه
في مجمع تفقد به اللي يحاكيك
كلن على الجوال مشغل حواسه
اللي على الواتساب ولا على الكيك
إن العزلة تقود إلى تعاسة الإنسان لأنه يتواصل مع عالم افتراضي غير محسوس. تشير الإحصائيات إلى أن مستخدمي منصة تويتر فقط على المستوى العالمي بلغوا 3.45 مليار شخص، ومستخدمي فيسبوك 2.12 مليار شخص. ويؤكد الخبراء أنه للتقليل من آثار المواقع الافتراضية ولتجنب الوقوع في العزلة، فإنه يلزم أن يضع الإنسان لنفسه وقتا محددا في اليوم لا يتجاوزه إلا للضرورة، وأن يحرص على ممارسة الأنشطة الجماعية المختلفة، وأن يسعى إلى المساهمة في الأنشطة التطوعية.
إن العالم الآن أمام تحد تربوي واجتماعي مفاده، كيف يمكن أن نستثمر هذه الثروة المعلوماتية الهائلة في التقنية، وفي الوقت نفسه نتلافى ما أمكن من آثارها السلبية الناتجة عن سوء الاستخدام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي