الانهيار المحتم «2 من 2»

أدى التضخم ـ الذي تغذى على السياسات المالية والنقدية والائتمانية ذاتها المفرطة في التساهل ـ إلى إنهاء فجر الموتى المالي ذاك. فمع اضطرار البنوك المركزية إلى زيادة أسعار الفائدة في محاولة لاستعادة استقرار الأسعار، تعاني الكيانات الحية الميتة زيادات حادة في تكاليف خدمة الديون.
من منظور كثيرين، يمثل هذا نكسة ثلاثية، لأن التضخم يؤدي أيضا إلى تآكل دخل الأسر الحقيقي وتقليل قيمة أصول الأسر، مثل المساكن والأسهم. ينطبق الأمر ذاته على الشركات، والمؤسسات المالية، والحكومات الهشة المفرطة في الاستدانة، فهي تواجه زيادة حادة في تكاليف الاقتراض، وهبوط الدخل والإيرادات، وانخفاض قيمة الأصول، وكل هذا في الوقت نفسه.
أسوأ ما في الأمر أن هذه التطورات تتزامن مع عودة الركود التضخمي "التضخم المرتفع المصحوب بنمو ضعيف". كانت آخر مرة تشهد فيها الاقتصادات المتقدمة مثل هذه الظروف في سبعينيات القرن الـ20. لكن في ذلك الوقت، كانت نسب الديون على الأقل منخفضة للغاية. أما اليوم فنحن نواجه أسوأ جوانب السبعينيات "صدمات الركود التضخمي"، إلى جانب أسوأ جوانب الأزمة المالية العالمية. وهذه المرة، لا يمكننا ببساطة خفض أسعار الفائدة لتحفيز الطلب.
في نهاية المطاف، يتلقى الاقتصاد العالمي ضربة قوية بسبب صدمات العرض السلبية المستمرة في الأمدين القريب والمتوسط، التي تعمل على تقليص النمو وزيادة الأسعار وتكاليف الإنتاج. تشمل هذه الصدمات الارتباكات التي أحدثتها الجائحة في المعروض من العمالة والسلع، وتأثير الحرب بين روسيا وأوكرانيا في أسعار السلع الأساسية، وسياسة خفض الإصابات بكوفيد - 19 إلى الصفر الكارثية، وعشرات من صدمات الأمد المتوسط، وكذلك التطورات الجيوسياسية التي ستوجد مزيدا من ضغوط الركود التضخمي.
على النقيض من أزمة 2008 المالية والأشهر الأولى من جائحة كوفيد - 19، فإن إنقاذ الوكلاء في القطاعين الخاص والعام بالاستعانة بسياسات كلية متساهلة من شأنه أن يصب مزيدا من الزيت على حريق التضخم.
وهذا يعني أننا سنشهد هبوطا اضطراريا حادا ـ ركودا عميقا طويل الأمد ـ علاوة على أزمة مالية حادة. مع انفجار فقاعات الأصول، وارتفاعات نسب خدمة الديون، وانخفاض الدخول المعدلة حسب التضخم بين الأسر والشركات والحكومات، سيتغذى كل من الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي على بعضهما بعضا.
من المؤكد أن الاقتصادات المتقدمة التي تقترض بعملاتها الخاصة يمكنها استخدام نوبة التضخم غير المتوقعة لخفض القيمة الحقيقية لبعض الديون الاسمية طويلة الأجل ذات السعر الثابت. ومع إحجام الحكومات عن زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق لتقليل عجزها، سينظر مرة أخرى إلى تسييل العجز من جانب البنوك المركزية باعتباره المسار الأقل عرضة للمقاومة.
لكنك لا تستطيع خداع كل الناس طوال الوقت. بمجرد خروج جني التضخم من القمقم ـ وهو ما سيحدث حتما عندما تهجر البنوك المركزية الكفاح في مواجهة الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يلوح في الأفق ـ سترتفع تكاليف الاقتراض الاسمية والحقيقية بشدة. الواقع أن أكبر أزمات الديون المصحوبة بالركود التضخمي على الإطلاق ربما يمكن تأجيلها، لكن ليس تفاديها.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي