الإشراف على بورصات العملات المشفرة .. من أين يبدأ؟
هل ننظم العملات المشفرة أو نتركها تحترق؟ في حين يحتدم النقاش في الولايات المتحدة (وعبر صفحات صحيفة فاينانشيال تايمز)، إلا أنه انتهى بالفعل في الاتحاد الأوروبي - وقريبا سينتهي في المملكة المتحدة.
مشروع قانون الأسواق والخدمات المالية يشق طريقه نحو البرلمان. أصبح يتضمن تعريفا واسعا للأصول المشفرة التي ستخضع للتنظيم. ستكتمل التفاصيل قريبا بعد استشارة من وزارة الخزانة البريطانية. في الاتحاد الأوروبي، تم الاتفاق على اللائحة الخاصة بأسواق الأصول المشفرة "ميكا" هذا الصيف، وستدخل حيز التنفيذ بحلول 2024.
مع تردد صدى الهزات التابعة لانهيار بورصة إف تي إكس للعملات المشفرة، بدأ ينصب التركيز على سؤال جديد: كيف يكون الإشراف على بورصة عملات مشفرة؟
تضع "ميكا" معايير صارمة جديرة بالإعجاب لمقدمي خدمات الأصول المشفرة، تشمل البورصات. ستحتاج البورصات الآن إلى ترخيص من دولة واحدة من أجل الحصول على جواز سفر لممارسة الأعمال التجارية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. هناك تغييران كبيران قادمان.
أولا، الهيكل المؤسسي التنظيمي. سيحتاج مقدمو الخدمات إلى حوكمة وضوابط متينة للشركات، وكيان قانوني للاتحاد الأوروبي، وما يحظى بأهمية بالغة، هيكل مؤسسي تحت سلطات قضائية لا تمنع الإشراف الفعال. يبرز انهيار "إف تي إكس" أهمية هذه المعايير. لكن من الصعب أن يحقق ذلك نتائج جيدة مع البورصات الأخرى. أكبرها، "بينانس"، لن تقول أين مكان مقرها الرئيس، مثلا.
حسبما يوضح جون كونليف من بنك إنجلترا، يتمثل جزء من المشكلة في أنها ليست "بورصات" تماما، بل تقدم خدمات متعددة ومجمعة سيتم فصلها في النظام المالي التقليدي لأسباب تتعلق بتضارب المصالح واتخاذ الحيطة وحماية المستهلك.
يبدو أن "ميكا" تسمح بشكل غير مجد بمثل هذا التجميع للخدمات المتعددة في كيان قانوني واحد. ستكون هناك حاجة إلى بعض الضمانات في مجموعة قواعد مفصلة خلال الفترة التي تسبق التنفيذ.
ثانيا، ستفرض "ميكا" قواعد حماية أصول العميل على مقدمي الخدمات. استخدام "إف تي إكس" المزعوم لأصول العملاء لتمويل ذراعها الاستثماري يعني أن الدائنين ينتظرون سماع مقدار الأموال التي خسروها. يقدر عددهم بما لا يقل عن 100 ألف دائن وقد يتجاوز المليون دائن.
ترك هذا البورصات الأخرى تسعى جاهدة لتبرهن صحة إثباتها للاحتياطيات، والأصول التي تدعم مراكز العملاء، مع تكليف "بينانس" شركة المحاسبة "مزارز" بإعداد تقرير. لكن التقرير محدود النطاق فيما يتعلق بالأصول المشفرة التي يغطيها، وغير مقنع بشأن كيفية حساب التزامات العملاء ويفتقر إلى شرح فاعلية الضوابط الداخلية. في نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت شركة "مزارز" أنها توقفت عن تقديم تقارير لإثبات احتياطيات الشركات تماما، ووصفت بعد جهد وعناء أن التقارير السابقة ليست تأكيدا منها على صحة ممارسات تلك الشركات.
كان فصل أصول العملاء مشكلة كبيرة غير متعلقة بالتشفير في فشل "ليمان براذرز" وشركة إم إف جلوبال للوساطة المالية. أدى ذلك إلى اتخاذ إجراءات صارمة في المملكة المتحدة ودول أخرى، مع غرامات كبيرة ومتطلبات تنظيمية جديدة مفصلة، وزيادة المساءلات الشخصية لكبار المديرين. يجب وضع قواعد صارمة، مخصصة للعملات المشفرة، واعتمادها بسرعة.
سيتعين على هيئات الرقابة اتخاذ بعض القرارات الصعبة بشأن منح التراخيص إذا لم تكن البورصات جاهزة في الوقت المناسب لقواعد الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة الجديدة.
من الواضح أن على البورصات إجراء تغييرات كبيرة على نماذج أعمالها قبل تقديمها طلبات الترخيص. تسن "ميكا" مجموعة كبيرة من المتطلبات الصعبة الأخرى التي تحتاج أيضا إلى الفرز بسرعة.
سيتعين على البورصات فحص مدى ملاءمة كل أصل من الأصول المشفرة لتداول العملاء بناء على "موثوقية الحلول المتبعة" والارتباط المحتمل بجريمة مالية. عليها أيضا الإفصاح عن التأثير البيئي والمناخي السلبي للتعدين المطلوب لكل أصل من الأصول المشفرة. سيبدأ سريان تحمل مسؤولية الخسائر الناجمة عن اختراق محافظ العملاء. كما ستدخل تحذيرات المخاطر الأكثر صرامة لاستثمارات العملات المشفرة حيز التنفيذ في كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
هيئات الرقابة نفسها لديها مواعيد نهائية قريبة لاتخاذ قرارات الترخيص بموجب "ميكا". يكمن الخطر في أن السباق بين الدول الأوروبية لتكون مركزا للعملات المشفرة في القارة سيؤثر في القرارات - كذلك متطلبات المملكة المتحدة الجديدة من هيئات الرقابة لتنظر في القدرة التنافسية.
"بينانس"، أكبر بورصة حتى الآن، هي الاختبار الرئيس. أثارت هيئة الأسواق المالية في فرنسا تساؤلات بتسجيلها "بينانس" بموجب قواعد ما قبل "ميكا"، رغم تغريم هيئات الرقابة الهولندية وهيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة لـ"بينانس" قائلين إنها غير قابلة للخضوع للإشراف. ماذا سيحدث في عملية (إعادة) الترخيص؟
يحتاج المشرفون إلى الموارد والغطاء السياسي لرفض التراخيص حتى يتم حل مشكلات الهيكل المؤسسي التنظيمي وأصول العملاء. إذن: ما أفضل طريقة للإشراف على بورصات العملات المشفرة؟ ابدأ بعدم منحها تراخيص حتى تخضع جميعها لقانون ينظم عملها.