الاقتصاد السعودي 2022 - 2023 «1 من 2»

تخطى الاقتصاد السعودي عام 2022 بخطوات راسخة، على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهها الاقتصاد العالمي كاملا، لا الاقتصاد السعودي منفردا، أثبتها بنموه المؤكد حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري بنمو حقيقي سنوي بلغ 8.8 في المائة، ونمو القطاع الخاص للفترة نفسها بمعدل سنوي بلغ 5.9 في المائة، ويتوقع وفقا لبيان الميزانية العامة للدولة أن يسجل نموا قياسيا عن عام 2022 كاملا بنحو 8.5 في المائة، مدفوعا بالنمو في الناتج المحلي للأنشطة النفطية، ومدعوما بارتفاع في الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية، المتوقع أن يسجل نموا حقيقيا خلال العام بنحو 5.9 في المائة، مقارنة بتوقعات أن ينمو الاقتصاد العالمي بنحو 3.2 في المائة، واقتصادات الدول المتقدمة بنحو 2.4 في المائة، واقتصادات الأسواق الصاعدة والدول النامية بنحو 3.7 في المائة.
تمكن الاقتصاد من الوصول إلى تلك المعدلات الأسرع للنمو عالميا، بالتزامن مع المحافظة على معدل تضخم سنوي لم يتجاوز 2.3 في المائة حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ويتوقع بيان الميزانية استقراره مع نهاية العام الجاري عند 2.6 في المائة، الذي يعد ضمن المعدلات المقبولة والأدنى منها عالميا، الذي ذهبت التقديرات الدولية لوصول معدل التضخم العالمي إلى 8.8 في المائة، وفي اقتصادات الدول المتقدمة إلى 7.2 في المائة، وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والدول النامية إلى 9.9 في المائة، ويعزى هذا المستوى المعتدل لمعدل التضخم محليا إلى التدابير التي اتخذتها الحكومة، وإلى مرونة السياسات المالية والاقتصادية في المملكة، التي أسهمت مجتمعة في احتواء التضخم بشكل واضح.
وامتدت الإنجازات الاقتصادية خلال عام 2022 لتشمل سوق العمل المحلية، التي حافظت على وتيرة النمو في أعداد العمالة المواطنة في القطاع الخاص، حسب أحدث بيانات نشرت بنهاية الربع الثالث من العام الجاري، وسجلت نموا سنويا وصل إلى 16.1 في المائة، أدى إلى وصول إجمالي العمالة المواطنة بنهاية الفترة إلى أعلى من 2.1 مليون عامل، كأعلى مستوى وصلت إليه مساهمة العمالة المواطنة في القطاع الخاص، وارتفع على أثره معدل التوطين إلى 23.5 في المائة.

ووفقا لأحدث بيانات معدل البطالة بين السعوديين، فقد تراجع إلى 9.7 في المائة بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، ويقدر أن يستمر تراجعه مع التطورات الإيجابية التي تمت خلال الربع الثالث، لينخفض وفق التقديرات الأولية إلى نحو 9.3 في المائة، ويؤمل -بمشيئة الله تعالى- أن يستمر معدل البطالة في التراجع إلى أدنى من تلك المعدلات بحلول نهاية العام الجاري، وأن تواصل سوق العمل المحلية أداءها الإيجابي خلال الأعوام المقبلة، وصولا إلى المستهدفات النهائية بخفض المعدل إلى ما دون المستويات المقبولة عالميا، وأن يتضافر مزيد من الجهود المشتركة من الأجهزة الحكومية ومنشآت القطاع الخاص، وتترجم إلى نوافذ أوسع عبر مختلف برامج التوطين لتوفير مزيد من فرص العمل المجدية والملائمة أمام الموارد البشرية المواطنة، واستكمال الخطوات الناجحة بصورة لافتة، التي تمت منذ النصف الثاني من 2021 وما زالت، ويؤمل أن تتسارع بدرجات أكبر خلال العامين المقبلين، والتأكيد على أهمية أن تتكاثر المبادرات مستقبلا من جانب منشآت القطاع الخاص، وإفساح المجالات الوظيفية بمعدلات أكبر أمام الباحثين والباحثات عن عمل من المواطنين، الذين أصبحوا يتمتعون بمؤهلات علمية رفيعة وبطموحات كبيرة، تترقب منحها الثقة والفرصة الملائمة من قبل أرباب العمل.
أما على مستوى المالية العامة، فقد أظهرت تقديرات الميزانية الفعلية للعام المالي الجاري ارتفاع إجمالي الإيرادات العامة 27.8 في المائة إلى أعلى من 1.23 تريليون ريال، مدفوعة بالارتفاع القياسي في جانب التقديرات الأولية للإيرادات النفطية بنحو 49.8 في المائة إلى نحو 842 مليار ريال، مقابل تراجع التقديرات الأولية للإيرادات غير النفطية بنسبة طفيفة لم تتجاوز 2.8 في المائة إلى نحو 392 مليار ريال.

كما ارتفع إجمالي المصروفات الحكومية 8.9 في المائة إلى أعلى من 1.13 تريليون ريال، مدفوعا بالنمو القياسي للإنفاق الرأسمالي على المشاريع بنحو 28.8 في المائة إلى نحو 151 مليار ريال، وارتفاع المصروفات الجارية 6.4 في المائة إلى نحو 981 مليار ريال، ما أثمر بدوره تحقيق الميزانية العامة للدولة أول فائض مالي لها منذ 2013 بنحو 102 مليار ريال "2.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022"، وبما يؤكد أن الاستدامة المالية والحفاظ على الموقف المالي القوي للمملكة هو أحد الأهداف ذات الأولوية الرئيسة في برنامج الحكومة.
أما على مستوى التجارة الدولية، فقد سجل إجمالي الصادرات السعودية خلال الأشهر العشرة من العام الجاري نموا سنويا بنحو 60.7 في المائة، وتجاوزها لسقف 1.3 تريليون ريال، مدفوعة بالارتفاع القياسي للصادرات النفطية بنسبة 74.5 في المائة إلى نحو 1.05 تريليون ريال خلال الفترة، إضافة إلى ارتفاع الصادرات غير النفطية 22.5 في المائة إلى أعلى من 227.2 مليار ريال، كما ارتفع إجمالي الواردات للفترة نفسها 22.6 في المائة إلى أعلى من 576.8 مليار ريال، وارتفع على أثره الميزان التجاري للفترة إلى 740.5 مليار ريال.

إجمالا، تجاوز الاقتصاد السعودي تحديات مختلفة وخارجية المصدر بدرجة كبيرة، حسب أحدث البيانات الصادرة، وتمكن من التأكيد على المتانة اللازمة أمام التقلبات التي شهدها الاقتصاد العالمي بصورة غير مسبوقة، متطلعا بثقة عالية إلى الاستمرار في مساره المتنامي في ظل رؤية المملكة الشاملة 2023، وإلى خوض غمار العام المقبل وما سيليه -بمشيئة الله تعالى- وفق البرامج والمبادرات التي تم إقرارها منذ منتصف 2016، وبمزيد من الاعتماد على الموارد المتوافرة، بحمد الله، وعلى الإنسان السعودي، الثروة الحقيقية لبلادنا واقتصادنا، الذي أثبت نجاحاته طوال العقود الماضية، وأنه أهل للثقة بإمكاناته وقدراته، وهو ما سيتم استكمال الحديث عنه في الجزء الثاني -بمشيئة الله تعالى- حول الفرص والتحديات المحتملة في العام المقبل 2023... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي