تحولات الطاقة «2»

من المهم معرفة أن أزمة الطاقة الحالية لم تبدأ مع الحرب بل بدأت قبلها.

فبعد الانفتاح الذي أعقب أزمة كورونا ارتفع الطلب وبالتالي أسعار الغاز والفحم والنفط، فقبل الحرب بثلاثة أشهر اضطرت أمريكا إلى سحب كمية من الخزن الاستراتيجي.

العامل المؤثر كان بوضوح نقص الاستثمارات في النفط والغاز في الأعوام الماضية التي سبقت موجة التضخم.

نقص الاستثمارات له أسباب منها السياسات العامة، والاهتمام والحذر من ظاهرة ESG في الاستثمارات، والخوف من العائد المتواضع بسبب أسعار منخفضة لنحو سبعة أعوام، وأخيرا الافتراض الخاطئ أن مصادر الطاقة المتجددة أصبحت متوافرة بأسعار وعائد مجز.

أسباب مجتمعة أدت إلى فجوة بين العرض والطلب، على أثرها ارتفعت الأسعار.
طبقا لطرح دانيال يرقن مؤرخ الطاقة، هناك أربع مسائل تحكم البيئة الحالية كما ذكرت في العمود السابق.

الأولى تتمثل في أمن الطاقة. ارتفاع أسعار الطاقة ومن ثم الحرب حيث عجلت بمسألة أمن الطاقة التي لم تكن ذات أهمية في بداية هذا القرن، حيث كانت الأسعار والاستثمارات والتجارة تسيطر على اقتصادات الطاقة.

لكن الظروف الحالية أجبرت عديدا من الدول على مراجعة استراتيجياتها خاصة في ميدان العلاقة بين تحول الطاقة وأمن الطاقة.

إذ لا بد من التأكد من توافر الطاقة بأسعار معقولة كي يكون هناك دعم من مواطنيها لتفادي تبعات التقلبات الاقتصادية وما تسفر عنه سياسيا.
المسألة الثانية. تتمخض في مدى سرعة التحول، فبعد أن كان 2050 أصبح التركيز على 2030.

فكما ذكرت في العمود السابق التحول في منظومة الطاقة لا يقاس بعقود، وإنما بقرن وأكثر، وعادة يكون هناك تطابق وتكامل لعقود عديدة بين مصادر الطاقة.

تحول الطاقة في اقتصاد عالمي يصل إلى 100 تريليون دولار في ربع قرن طموح جدا إلى حد الشك في قدرة تنفيذه.

حذر بعض الاقتصاديين من عدم معقولية أهداف التصفير الكربوني ومغبة التسرع والمخاطر المترتبة على الاقتصاد وحياة الناس، خاصة أن التغيرات الكلية في الاقتصاد بسبب سياسات المناخ غير معروفه بدقة، إذ إن الحماس تغلب على الحاجة إلى تحليل عميق وموسع.

المسألة الثالثة تأتي في التحدي الذي يواجه الانقسام العالمي بين دول شمال غنية وقادرة على تكاليف التحول، ودول الجنوب غير القادرة، خاصة أن لدول الجنوب عذرا منطقيا بأن الطاقة من مصادر جنوبية أسهمت في تطور دول الشمال اقتصاديا، وأيضا تسببت دول الشمال في التلوث وظاهرة الاحتباس الحراري، وما ترتب عليه من تحديات بيئية مثل الجفاف والأعاصير.
كان الخلاف واضحا في مؤتمرات المناخ الأخيرة، فمثلا تشرع الهند في منظومة غاز بتكلفة 60 مليار دولار، بينما تستثمر في الطاقة المتجددة بحجم كبير.

بعض السياسات الغربية تقابل باستهجان كما فعلت أوغندا مع استثماراها في النفط ومد أنبوب للبحر للتصدير.
يأخذ الخلاف بعدا آخر في المسألة الرابعة من خلال التمويل الذي تسيطر عليه المؤسسات الغربية.

أقرت الدول الغنية برامج ضخمة للاستثمار في الطاقة المتجددة من خلال سلاسل الإمداد، خاصة المعادن والمواد اللازمة للرياح والشمس والسيارات الكهربائية. قيل إن العالم يتجه من طاقة تركز على الوقود إلى طاقة تركز على المعادن.

ربما أهم معدن هو النحاس لدوره في نقل الكهرباء.
طبقا لدراسة S&P هناك فجوة بين العرض والطلب في النحاس الذي سيتضاعف في وسط العقد المقبل لتحقيق أهداف 2050، فمثلا كمية النحاس في السيارة الكهربائية ضعف ونصف ما يستخدم في السيارة التقليدية.

كذلك هناك تحد آخر في تركيز المعادن في دول معينة أكثر من تركيز النفط والغاز بما في ذلك المخاطر السياسية. الوعي والتحليل والسياسات السليمة لهذه المسائل الأربع كما ذكر يرقن، ستساعد على تحول الطاقة المنشود بسلاسة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي