تحدي سعر الصرف في الصين

كانت قيمة عملة الرنمينبي الصينية تشكل جزءا مهما في المناقشات حول الاختلالات العالمية. وفي حين عدها الأجانب مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية وحثوا على رفع قيمتها، أصر بنك الشعب الصيني PBOC على إبقاء ربط العملة بحكم الأمر الواقع بالدولار الأمريكي. ومع ذلك، في الأعوام الأخيرة، حلت المخاوف التي أعربت عنها الصين من زيادة قوة عملتها محل التخوفات من حدوث انخفاض حاد في قيمة عملتها.
ورغم حفاظ الصين على فائض الحساب الجاري لديها، إلا أن تدفقات رأس المال إلى الخارج كانت تفرض ضغوطا نزولية متكررة على سعر الصرف منذ 2015. ويمكن تقسيم مصادر الضغط إلى ثلاث فئات عامة، بناء على دوافع التدفقات الخارجية، التي تتمثل في تدهور الأوضاع الاقتصادية المحلية والعوامل غير الاقتصادية والموازنة.
في 2015، بينما انهارت أسعار الأسهم وأدت إلى أشهر من الاضطرابات في السوق، وفقد نمو الناتج المحلي الإجمالي زخمه، قدم بنك الشعب الصيني قاعدة جديدة لتحديد سعر التكافؤ المركزي للرنمينبي مقابل الدولار، لجعل سعر صرف الرنمينبي أكثر مرونة. ورغم أن الخطوة نفسها كانت صحيحة، إلا أنها أدت إلى ارتفاع مفاجئ في توقعات انخفاض قيمة الرنمينبي. ونتيجة لذلك، بدأت رؤوس الأموال تتدفق خارج الصين - واستمر هذا التدفق حتى نهاية 2016. وبهدف دعم الرنمينبي، استنفد بنك الشعب الصيني نحو تريليون دولار من احتياطيات النقد الأجنبي خلال هذه الفترة.
وفي 2018، أصبحت العوامل غير الاقتصادية - وتحديدا التوترات المتصاعدة مع الولايات المتحدة - المحرك الرئيس لتدفقات رأس المال إلى الخارج. وفي الفترة ما بين آذار (مارس) 2018 وأيار (مايو) 2022، تقلب سعر صرف الرنمينبي بشكل كبير، ما يعكس الشدة المتغيرة للتوترات الصينية الأمريكية. وخلال معظم هذه الفترة، ظل سعر صرف الرنمينبي يتأرجح دون العتبة المهمة نفسيا التي تبلغ سبعة يوانات صينية لكل دولار.
وقد بدأ التراكم الأخير لضغط انخفاض قيمة الرنمينبي في مايو 2022، مع انخفاض قيمة الرنمينبي مقابل الدولار بمعدل غير مسبوق، ما أدى مرة أخرى إلى كسر عتبة سبعة يوانات صينية في سبتمبر. وهذه المرة، كان يتمثل العامل الرئيس في أنشطة المراجحة، حيث يسعى المستثمرون إلى الاستفادة من اتساع فارق أسعار الفائدة بين الصين والولايات المتحدة. وتشير الأدلة غير المؤكدة إلى أن هروب رأس المال ربما لعب أيضا دورا مهما.
في الماضي، كلما اقترب سعر صرف الرنمينبي مقابل الدولار من عتبة سبعة يوانات صينية، كان بعض خبراء الاقتصاد يحذرون من احتمال حدوث انهيار إذا تم السماح بخرق العتبة. لكن هذه المرة، رغم المخاوف السائدة، تمسك بنك الشعب الصيني بحزم برفضه التدخل المستمر وبطبيعة الحال لم يحدث الانهيار.
لقد كانت استجابة بنك الشعب الصيني لانخفاض قيمة الرنمينبي الأخير - سياسة "الإهمال الحميد" - جديرة بالثناء خصوصا. كما عمل صناع السياسة على خفض نسبة متطلبات الاحتياطي من النقد الأجنبي للبنوك، وأقنعوا البنوك التجارية بدعم الرنمينبي بطرق خفية مختلفة. لكنهم لم يتدخلوا في سوق صرف العملات الأجنبية بأي شكل من الأشكال.
قد يجادل البعض بخلاف ذلك، مستشهدين بتقارير تفيد بأن بنك الشعب الصيني باع نحو 100 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية في النصف الأول من 2022. ومع ذلك، إذا كانت التقارير صحيحة، فهذا لم يكن تدخلا في سوق العملات، لقد كان جزءا من خطة بنك الشعب الصيني طويلة الأجل لتنويع احتياطيات الصين من النقد الأجنبي، أو كما قد يجادل بعض خبراء الاقتصاد الصينيين، قد تكون نتيجة جزئية للتأثير المترتب على إعادة تقييم السندات الحكومية الأمريكية.
ونظرا إلى أن التضخم الحالي كان نتيجة لصدمات في جانب العرض والطلب، فإن ارتفاع أسعار الفائدة وحده لا يكفي لاحتواء هذا التضخم. ما يمكنهم القيام به هو كبح النمو، الأمر الذي يجعل الاقتصاد الأمريكي الذي أصبح بالفعل عرضة لخطر الركود يعاني الركود التضخمي. وفي ضوء ذلك، يبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يعمل الآن على تخفيف موقفه المتشدد بشأن التضخم. في الواقع، في اجتماعه الأخير لوضع السياسات لـ2022، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس فقط. ومع تضاؤل توقعات السوق بشأن رفع أسعار الفائدة الأمريكية، تراجعت أيضا الضغوط التي تدفع الرنمينبي إلى الانخفاض.
ومع ذلك، لا يحدد محافظو البنوك المركزية في الولايات المتحدة قيمة الرنمينبي. تحتفظ العملة بقوة أساسية متجذرة في ثقة السوق بالاقتصاد الصيني. وهذه المرة، لم يتسبب انخفاض قيمة الرنمينبي في إثارة أي حالة من الذعر في السوق المالية الصينية، ما يعكس نضج المستثمرين الصينيين والسوق نفسها.
إذا تمكن النمو الصيني من الانتعاش بقوة في 2023، فسينخفض صافي تدفقات رأس المال إلى الخارج أو يتراجع، ما يوفر مزيدا من الدعم للرنمينبي. إن قرار الحكومة الصينية بالتخلي عن سياسة صفر كوفيد الخاصة بها يجعل هذا السيناريو أكثر احتمالا، لأسباب ليس أقلها أن تلك السياسة شكلت أقوى قيد على التنفيذ الفاعل للسياسة المالية والنقدية التوسعية. ستتمثل النتيجة المحتملة في معدل نمو أعلى من توقعات السوق السابقة.
ومهما حدث، من الأفضل أن يلتزم بنك الشعب الصيني بسياسة الإهمال الحميد، ما يسمح لسعر الصرف بالعمل كموازن تلقائي، مع التعامل مع ضوابط رأس المال باعتبارها الملاذ الأخير. بعبارة أخرى، يتعين على حكومة الصين التركيز على النمو الاقتصادي والسماح للسوق بالاهتمام بعملة الرنمينبي.
خاص بـ«الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي