الصين وأزمة العقارات .. مسار جديد
بعد مرور أكثر من عام على بدء أزمة العقارات في الصين، غيرت الحكومة أخيرا اتجاهها بشأن أفضل طريقة للتغلب عليها.
في مراحلها الأولية، التي هيمن عليها تخلف شركة إيفرجراند للتطوير العقاري المثقلة بالديون ومجموعة من أقرانها عن سداد ديونها، لم تتحقق التوقعات السائدة بشأن الدعم الحكومي.
نشأت مشكلات السيولة جزئيا بسبب محاولات بكين تثبيط الاقتراض المفرط الذي سيطر لأعوام على تطوير العقارات. لم تعد الشركات قادرة على اقتراض أموال جديدة مع تجمد الأسواق في مشهد تخلف "إيفرجراند" عن السداد وتراجع نشاط البناء.
لكن في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، مع استمرار ظهور بيانات الإسكان المقلقة، بدا أن السلطات تعيد النظر في مخاطر الديون. كشفت الحكومة عن 16 إجراء لدعم لقطاع العقارات. ثم تعهدت البنوك التي تديرها الدولة بتقديم مبلغ ضخم -نحو 256 مليار دولار وفقا لوكالة ستاندرد آند بورز- في شكل ائتمان محتمل لمطورين محددين.
تكررت الرسالة بشأن صناعة منقسمة الشهر الماضي في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في الدولة، حيث تعهد صانعو السياسة بدعم "الشركات الرائدة الكفؤة" وميزانياتها العمومية.
تشمل هذه شركات مثل "فانكي"، المملوكة جزئيا لمشغلة مترو الأنفاق في مدينة شنجن، وشركة كنتري جاردن، أكبر مطورة في الدولة من حيث المبيعات. يشير ينس بريثوس، المدير المشارك في المجموعة الاستشارية جلوبال كاونسيل، إلى أن ملكية الدولة الجزئية لشركة فانكي سمحت لها بالفعل بالاقتراض بمعدلات أقل من أقرانها. أحد الاستخدامات المحتملة للأموال الضخمة المخصصة لها هو عمليات الاندماج والاستحواذ، ما يسمح لها باقتناص الأراضي أو الأصول التي يملكها أقرانها المتعثرون، ما ينقذ الأصول إن لم يكن أصحابها أو دائنوها السابقون.
إن هذا النوع من الاندماج الذي تدعمه الدولة في القطاع الخاص يحدث عادة في الأزمات المالية، كما حدث عندما وافق بنك جيه بي مورجان على شراء بنك بير ستيارنز، وأصول بنك التجزئة واشنطن ميوتشوال خلال الأزمة المالية لعام 2008. لكن في حين شكل انهيار المؤسسات المالية تهديدا متصاعدا للنظام المالي ونظام المدفوعات بأكمله، فإن انهيار مطوري العقارات الصينيين محصور حتى الآن إلى حد كبير في هذا القطاع من حيث آثاره.
رغم موجة الدعم الحكومي الجديدة، لا تزال البيانات الأخيرة الصادرة في نوفمبر ترسم صورة قاتمة. انخفض الاستثمار العقاري 20 في المائة على أساس سنوي. كما انخفضت مبيعات العقارات بمقدار الثلث من حيث الحجم والقيمة في نوفمبر على أساس سنوي.
يشير تينج لو، كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك نومورا، إلى أن معدل الانخفاض في المبيعات قد تحسن فعلا في عينة من 30 مدينة في النصف الأول من كانون الأول (ديسمبر)، لكنه يعتقد أن الأمر قد يستغرق بضعة شهور أخرى حتى يتعافى القطاع. ربما يفسر نظام صفر كوفيد الذي يتم تخفيفه الآن، بإغلاقاته وبيروقراطيته، جزئيا سبب استمرار الركود في العقارات طيلة هذه المدة.
حتى الآن، كان الرد الرسمي هو تشجيع إتمام مشاريع الإسكان، بالنظر إلى أن مشتري المساكن في الصين يدفعون عادة ثمن الشقق الجديدة قبل اكتمالها. تطلب ذلك في كثير من الأحيان مساعدة الحكومات المحلية، التي كانت بالفعل تحت ضغط مالي كبير بسبب خسارة عوائد مبيعات الأراضي للمطورين.
سعت سياسة الحكومة المسماة "بالخطوط الحمراء الثلاثة"، التي تم تقديمها في صيف 2020، إلى تقييد المطورين. لقد جاءت في وقت، يسهل نسيانه الآن، أدى فيه التحفيز والتخفيف النقدي لدرء الضربة الاقتصادية من كوفيد - 19 إلى ازدهار أسواق الأسهم والعقارات في الصين.
إن الأموال الجديدة التي تعهدت بها البنوك المملوكة للدولة هي بمنزلة خطوط ائتمان متاحة، بدلا من الإسراف بالإقراض الفوري. إنها تختلف في العرف القانوني عن الديون الدولية التي أخذها بعض المطورين التي كانت في قلب الأزمة.
إذا أطلق العنان لتدفق الأموال، فسيكون ذلك بمنزلة تراجع كبير عن معتقد جديد من ضبط الاقتراض. لكن في النهاية، لن يتم تطبيق نظام الإقراض الجديد بسهولة ما لم يكن هناك انتعاش كبير في الطلب على الإسكان.
يلاحظ لو من بنك نومورا أن القروض الأسرية متوسطة إلى طويلة الأجل بلغت 210 مليارات رنمينبي (30 مليار دولار) في نوفمبر، أي أقل من نصف مستواها العام السابق. السؤال المهم هو ما إذا كان مشترو المنازل الصينيون، وليس الحكومة الصينية، قد غيروا رأيهم أيضا بشأن الديون والإسكان.