قراءة محاسبية في نظام الشركات الجديد «2»
أشرت في المقال السابق إلى بدء نفاذ نظام الشركات الجديد اللائحة التنفيذية له، وقبل أن أتقدم في قراءة هذا المقال، أعيد التأكيد على القراءة المحاسبية للنظام، بمعنى أنني أتلمس القضايا ذات العلاقة بمهنة المحاسبة ومراجع الحسابات التي قد تشكل "من وجهة نظري" تحولا مهما في المهنة، فالنظام ككل يذكرني بالتحول الواسع في المسؤوليات المهنية التي أقرها نظام تداول الأوراق المالية الأمريكية في 1933 و1934.
نصت المادة "261" على ما سمته "الجرائم الأقل جسامة"، وهي "11" جريمة أولها، عدم تبليغ مراجع الحسابات عن المخالفات التي يكتشفها أثناء عمله التي يبدو له أنها مخالفات جنائية، هنا قد تبدو الصورة مقلقة جدا، فالمراجع الآن مسؤول عن الإبلاغ عن المخالفات التي تبدو له أنها جنائية.
لاحظ كلمة "يبدو له"، هنا حكم شخصي، فكيف يصل المراجع إلى هذا الحكم الشخصي. المعيار "250" من معايير المراجعة يقدم للمراجع توصيات مهمة جدا بشأن مراعاة الأنظمة واللوائح عند مراجعة القوائم المالية، ففي الفقرة "أ4" من المعيار "250" يقر بأن الحكم بشأن نوع المخالفة وهل هي جنائية أم غير ذلك، هو أمر تختص به المحاكم أو الجهات القضائية الأخرى المعنية، وهو خارج نطاق الاختصاص المهني للمراجع، لكن رغم هذا فلا بد "وفقا لنظام الشركات الآن" أن يتدرب المراجع لإدراك أن بعض التصرفات التي تنمو إلى علمه قد تشكل عدم التزام بالأنظمة واللوائح، وقد تكون جنائية وعليه التذكر أيضا بأن هذا حكم عام يشكل جميع أنواع الشركات.
المسألة الأخرى تأتي بشأن الإبلاغ نفسه، فلا النظام ولا اللائحة حددت آلية ذلك الإبلاغ، وهنا الوضع شائك جدا، فمعايير المراجع تنص على أن يكون الإبلاغ للمكلفين بالحوكمة "المعيار 260"، لكن ماذا لو كانوا "أو من بينهم" من هو متورط في القضية الجنائية المحتملة، "تذكر أنه حكم شخصي كما أشرت"، ينص المعيار رقم "260" أن بعض الدول تفرض قيودا على إبلاغ المراجع عن أمور معينة للمكلفين بالحوكمة، خاصة عندما يكون هناك تحقيق تجريه سلطة معنية في فعل غير قانوني.
لدينا لا يوجد مثل هذه النصوص بينما المعايير تطالب المراجع بإبلاغ المكلفين بالحوكمة عن عدم الالتزام بالأنظمة، وأعتقد بأن على هيئة المحاسبين والمراجعين مناقشة هذه المساءلة جيدا، من المهم التأكيد أن المعيار "250" قد أكد ضرورة أخذ الاستشارة القانونية عندما يكون المراجع في حالة عدم يقين بهذا الشأن.
بقيت نقطة مهمة هنا وهي مسؤولية المراجع عن آليات اكتشاف الجريمة الجنائية، من الجميل أن نظام الشركات قد ضيق نطاق هذه المسؤولية بعبارة "أثناء عمله"، لكن مع ذلك يجب تطوير إجراءات المراجعة لتأخذ في الحسبان الأنظمة ذات العلاقة بأعمال المنشأة، ومن ذلك غسل الأموال والإرهاب وأحكام السوق المالية وحماية البيانات والضريبة والزكاة والجمارك وحماية البيئة والصحة والسلامة، فالمعروف أن لهذه القضايا آثارا واضحة في العمليات الاقتصادية للمنشأة، ولا بد من التذكر أن نصوص نظام الشركات قد ذكرت عدة موضوعات مهمة ويعد عدم الالتزام بها من الجرائم الجسيمة.
وعلى كل حال فإنني أرى بأن هذه النصوص قد أنتجت فجوة توقعات جديدة بين ما كان المراجعين في المملكة يظنون أنه من مسؤولياتهم، وبين ما فرضه نظام الشركات من مسؤوليات جديدة.
ونصت المادة "19" من نظام الشركات على أن الحكم المتعلق بإلزامية تعيين مراجع الحسابات الوارد في المادة "18" من النظام، لا يسري على الشركة متناهية الصغر والصغيرة إلا في حالات معنية ذكرها النظام، لكن اللائحة التي أصدرتها وزارة التجارة بشأن النظام قد تضمنت في المادة "7" معايير للشركة المتناهية الصغر أو الصغيرة، فلا تعد الشركة متناهية الصغر أو صغيرة خلال العام المالي الواحد من النظام عند تحقق اثنين من الآتي:
أ. ألا يتجاوز مجموع إيراداتها السنوية مبلغ "عشرة" ملايين ريال.
ب. ألا تتجاوز أصولها مبلغ "عشرة" ملايين ريال.
ج. ألا يتجاوز عدد الموظفين فيها "49" موظفا.
هنا تنشأ أسئلة مهمة لا أجد إجابة عنها سواء في النظام أو اللائحة التنفيذية له، فتنظيم هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة منحها الحق في تعريف المنشآت وفقا لحجمها، وصدور اللائحة بتعريف المنشآت الصغيرة والمتناهية بهذا الشكل يعد تصنيفا إضافيا جديدا، وإذا كانت منشآت منح شهادة لحجم الشركة وفقا لنظامها، فهل يلزم الآن شهادة لهذا الحجم المخصص؟ ومع ذلك فكيف يتم تحديد قيمة الأصول دون تعيين مراجع أو مقيم معتمد؟
النظام في المادة "17" نص بأن على كل الشركات "كحكم عام" الاحتفاظ بالسجلات المحاسبية وإعداد قوائم مالية للشركة في نهاية كل عام مالي وفق المعايير المحاسبية المعتمدة في المملكة، وإيداع هذه القوائم وفقا لما تحدده اللوائح خلال "ستة" أشهر من تاريخ انتهاء العام المالي، وذلك وفقا للأحكام الواردة في النظام، ونصت اللائحة في المادة "5" بأن على مدير الشركة أو رئيس مجلس إدارتها إيداع القوائم المالية للشركة، وتقرير مراجع الحسابات ـ إن وجد ـ لدى المركز السعودي للأعمال الاقتصادية من خلال برنامج الإيداع الإلكتروني للقوائم المالية.
المشكلة هنا أن برنامج قوائم ليس برنامجا عاديا، ليس مجرد واجهة رقمية بل هو برنامج محاسبي يحول القوائم المالية الورقية إلى إلكترونية عن طريق استخدام لغة الـXBRL، هل هذا سهل على شركات متناهية في الصغر أو صغيرة؟ هل يمكن أن تقوم به دون الحاجة إلى المراجع الخارجي المتدرب على ذلك؟ جميع من في هذه المهنة يعرف أنه يصعب على الشركات إعداد قوائمها المالية دون دعم المراجع الخارجي، فكيف بمسألة إيداعها في برنامج قوائم، وكأن المادة "19" التي تجيز للشركات الصغيرة عدم تعيين مراجع خارجي، قد تم نقضها بالمادة "17" التي تجبر الشركات على إيداع قوائم مالية، حتى لو لم تشترط تدقيقها، أو كأن هناك وظيفة جديدة لمكاتب المراجعة تنشأ مع النظام وهي إيداع القوائم المالية، لكن دون مسؤوليات المراجعة المعتبرة.
السؤال الثاني هو أن المادة "19" استثنت من عدم سريان متطلب تعيين مراجع الحسابات تلك الشركات الصغيرة التي يلزم فيها تعيين مراجع حسابات وفقا للأنظمة ذات العلاقة، فيما أعلم لا يوجد نظام يجبر أي شركة على تعيين مراجع للحسابات، لكن تقديم قوائم مالية مدققة، قد يقول أحدهم وما هو الفرق، أقول إن هذه الفقرة تحتاج إلى تشجيع طلاب الدراسات للبحث فيها بدقة.