معلقاتنا امتداد أمجاد .. السعوديون يؤرخون الملاحم شعرا
1500 عام مرت على المعلقات العشر، أقدم آداب العرب التي كتبت بماء الذهب وعلقت على أستار الكعبة المشرفة، ولا يزال وهجها وألقها متماثلا أمامنا، في أبيات شعرية تحمل معاني عميقة، تصلح لكل زمان، وعصر، وتحت كل سماء.
يقال إن الشعر هو فضيلة العرب، أي: أطهر ما لدى الإنسان وأشرف ما عنده، من هذه الأرض انطلقت القصائد العشر الشهيرة، ومن الأرض ذاتها سيجاري نخبة من الشعراء السعوديون قصائد سابقيهم، في مهمة ليست بالسهلة، وصفت بالـ"مرهقة"، لكنها ممتعة، كما يصفها الأمير عبدالرحمن بن مساعد صاحب فكرة أول مسرحية شعرية غنائية.
المعلقات الجديدة
يزيدنا الأمير عبدالرحمن بن مساعد شوقا لمسرحيته الجديدة التي تأتي احتفاء بذكرى يوم التأسيس، بعد نحو ثلاثة أسابيع، ويستلهم من المعلقات العشر الشهيرة قصائد جديدة، إذ يجاريها عشرة شعراء بقصائد عن تأسيس الدولة السعودية الأولى وتوحيدها وملوكها، بمشاركة نحو ألف من الشعراء والكتاب والفنانين والممثلين والعارضين للفنون الأدائية والأوركسترا من العازفين والعازفات، وفريق الإنتاج، وفريق العمل الإبداعي.
قصائد القرن السادس الميلادي كانت تناقش الأحوال آنذاك، في قصائد تكشف عن آراء سياسية واجتماعية، وغزل، ورسائل شعرية تصف مشاعر الفخر والمدح، وفي مسرحية "معلقاتنا امتداد أمجاد" يستعيد الشعراء أمجادا عاشها السعوديون على مدى نحو 300 عام، منذ مؤسسها الأول الإمام محمد بن سعود، ليثبت الشعر أنه تراكمات تاريخية وثقافية وحضارية ونفسية، وقصص تستحق أن تروى.
صادق الشاعر يكشف هويته
"لا يستطيع أي بلد أن ينسب المعلقات له ولحدوده الجغرافية إلا المملكة العربية السعودية، حيث عاش أصحاب المعلقات جميعهم في حدودها" .. أصاب الأمير عبدالرحمن بن مساعد، المشرف العام على المسرحية المرتقبة، وفاجأ حضوره من الشعراء والفنانين والممثلين والإعلاميين أن العمل المسرحي هو البطل في حد ذاته، إذ لم يتم اختيار بطل رئيس فيه.
ويشارك في العمل الأضخم والأول من نوعه في تاريخ المملكة الشعراء الأمير عبدالرحمن بن مساعد، محمد الحربي، فهد عافت، فواز اللعبون، تركي العنزي، حاتم الزهراني، سلطان الضيط، يحيى رياني، جاسم الصحيح وسلطان السبهان، وتتضمن حوارات شعرية مغناة قبل كل قصيدة يكتبها فهد عافت، أما المشاهد المسرحية فهي كتابة صالح زمانان، والتوزيع والموسيقى التصويرية المايسترو وليد فايد، وفي التلحين يشارك الأمير أحمد بن سلطان (سهم) وصادق الشاعر، الاسم المستعار الذي كان يكتنفه الغموض فترات طويلة، إلى أن كشف الأمير عبدالرحمن أنه هو شخصيا هذا الملحن.
تأليف المعلقات
حديث "صادق الشاعر" لا يخلو من الطرافة، الذي تضمن سردا أمينا للمواقف والقصص في كواليس العمل المسرحي، ومنها تعديلاته المتكررة والكثيرة على النصوص، التي كان آخرها قبل يوم واحد فقط من المؤتمر الصحافي الذي نظمته هيئة المسرح والفنون الأدائية، واستشف من وجوه الفنانين انزعاجهم وتضايقهم من ذلك، لكن التعديلات كانت طريقه إلى عمل مكتمل الأركان، لا يخفو بريقه سريعا.
مر على الفكرة عامان، في وتيرة عمل متواصلة، إذ استغرق تأليف المعلقات وحدها نحو ستة إلى سبعة أشهر، وكما يكشف الأمير فإنها تعد مرجعا تاريخيا للمملكة دون جدال.
وثقت المعلقات العشر التاريخية ملاحم وأمجاد الماضي، وفي ذكرى التأسيس ستحتفي معلقات المسرحية بأمجاد الحاضر، التي تعد امتدادا لما صنعه العرب في جزيرتهم، وأرخه الشعر، وقال صادق الشاعر في حديثه "لا يستطيع أي بلد أن ينسب المعلقات له ولحدوده الجغرافية إلا المملكة العربية السعودية، حيث عاش أصحاب المعلقات جميعهم في حدودها"، لافتا إلى أن المملكة مهبط الوحي، وموطن اللغة، وهذه الرسالة الحقيقية للعمل، "نحن مقبلون على تحد كبير لإنجاز هذا العمل الذي يجسد همة طاقمه".
سهم في تجربة صعبة جدا
سهم، الاسم المستعار والمعروف كذلك للأمير أحمد بن سلطان، الذي كشف أنه استفاد من التجربة الأصعب في حياته، وتلحين القصائد كان صعبا للغاية في البدايات، استغرق نحو عام ونصف العام، مستدركا أن ورش العمل انتهت إلى ابتكار جمل موسيقية تتلاءم مع فكرة العمل، والخروج بمنتج موسيقي يجاري النصوص العربية التي تتمتع بغاية الفصاحة، متمنيا أن ينال العمل رضا الجمهور.
وفي إجابته حول غنائه في المسرحية، جزم "سهم" بأنه لن يخرج بصوته إطلاقا، ولن يشارك في الأداء، وسيكتفي فقط بتلحين العمل، وعلق قائلا "حينما أسمع أصوات الفنانين المشاركين أستحيي أن أضع صوتي إلى جانب هذه الأصوات، شغفي فقط التلحين عبر تقديم ألحان جميلة، وسماعها بصوت الفنانين، لتطرب المتلقي، شغفي هو التأليف الموسيقي فقط وليس الأداء"، واصفا الأمير عبدالرحمن بأنه "رجل قوي وصبور جدا".
حراك فني غير مسبوق
تعيش هيئة المسرح والفنون الأدائية مرحلة مهمة من تاريخها، إذ تشهد حراكا محموما في مجالها غير مسبوق، وكانت قد أنهت قبل أيام مهرجان قمم الدولي للفنون الأدائية الجبلية بحضور 180 ألف زائر، ومشاركة نحو 30 فرقة محلية ودولية، في سبعة مواقع بعسير، وها هي تخوض تحديا جديدا في مسرحية لم تطرق أبوابها قبل.
وتحدث سلطان البازعي الرئيس التنفيذي للهيئة عن جهود الهيئة في إنتاج الأعمال المسرحية الكبرى والأعمال الملحمية في المسرح السعودي، وأهمية تفعيل الرؤى الفنية الحديثة بما يتناسب مع متطلبات المرحلة، مفيدا أن العمل الفني اعتمد على دمج الحالة المسرحية بالموسيقى والعروض المرئية والفنون الأخرى.
دهشة بصرية وصوتية
نخبة النجوم في الكتابة والألحان والموسيقى والأداء وكل عناصر العرض المسرحي يجتمعون لأداء تسعة عروض مسرحية في جامعة الأميرة نورة، فضلوا في حديثهم لـ"الاقتصادية" عدم كشف تفاصيل عن العمل المرتقب، ليفاجئ الجمهور ويشكل "دهشة بصرية وصوتية"، على حد تعبيرهم.
وتحدث عامر الحمود مخرج المسرحية عن الجوانب الفنية والإخراجية للعمل المسرحي، وأكد "نحن في تحد مع أنفسنا وخبراتنا لإخراجه بما يتناسب مع ذائقة المتلقي ويرتقي لاسم العمل وفكرته".
وتستعين مسرحية "معلقاتنا امتداد أمجاد" بمجموعة من أهم الممثلين والفنانين السعوديين من فئة الشباب، وتضم قائمة الفنانين: عايض، أميمة طالب، فؤاد عبدالواحد، زينة عماد، سهى المصري، فهد العمري، ناصر نايف، إيمان الشميطي، حمزة، أما الممثلون فتضم القائمة إلهام علي، راشد الشمراني، أسيل عمران، شعيفان العتيبي، راشد علي الزهراني، سارة بهكلي، سعيد المانع القرني.