علو الهمة
يتفاوت البشر فيما يمتلكون من خصائص تفاوتا كبيرا، منها ما قد يكون حسنا ومنها ما ليس كذلك. من الخصائص الحسنة المحمودة التي لا يمتلكها إلا قليل: خاصية "علو الهمة". العلو لغة مصدر من علا الشيء علوا فهو علي. يقال علا فلان الجبل إذا صعده، فأصل هذه الكلمة يدل على السمو والارتفاع.
والهمة لغة هي ما هم به الإنسان من أمر ليفعله، أما اصطلاحا فهي استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور وطلب المراتب السامية. وقد ورد الحث والثناء على علو الهمة وعلى من يتحلى بها في القرآن والسنة. الحق سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم، "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض ..." الآية، ويقول سبحانه في الثناء على من يتصف بها، "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ..." الآية، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم، "إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها". ونقل عن عمر رضي الله عنه قوله، "لا تصغرن همتكم فإني لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمم". والشاعر العربي يقرر:
ومن تكن العلياء همة نفسه
فكل الذي يلقاه فيها محبب
وتقول العرب في أمثالها، "بقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى". إن من تعلو همته وطموحه يجود بكل ما يملك في سبيل الوصول إلى غايته ومبتغاه، وذلك لأن المكارم منوطة بالمكاره، والعلا والمصالح والكمالات لا تنال إلا بعبور جسور من المشقة والتعب والعناء.
ذريني أنل ما لا ينال من العلا
فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تريدين إدراك المعالي رخيصة
ولا بد دون الشهد من إبر النحل
إن أقصى طموح المؤمنين بلوغ الجنة وهي لن تنال بعد رحمة الله إلا بأن يكدح الإنسان في السعي إليها، ويأطر نفسه على الحق أطرا، "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ..." الآية. وفي الحديث "من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة". إن عالي الهمة يدرك أنه لا بد أن يضيف إلى هذه الدنيا شيئا ينفع به نفسه ومجتمعه، بل ربما البشرية جميعا، على خلاف ضعيف الهمة فسيكون ساقط الإرادة مستسلما للأمر الواقع.