لا تحكم بالظاهر

يعتقد بعض الناس أن الشكل الخارجي للعلاقات الإنسانية هو المقياس الحقيقي للحكم على قوة ونجاح هذه العلاقات من عدمها، فالأزواج الذين تظهر للناس مثالية علاقتهم الزوجية ومدى انسجامهم واحترامهم لبعضهم بعضا، يظن كثيرون أن علاقتهم قوية ومتينة وأنهم يعيشون السعادة الزوجية المطلقة، بل يغبطونهم على ذلك، بينما الحقيقة أن ما يظهر للآخرين هو مجرد إطار خارجي ملون لا يظهر كامل التفاصيل الصغيرة التي تخفي علاقة فاشلة بالكاد أصحابها يتنفسون وهم يعيشون بين حطام لم يعد ينفع معه الترميم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وبين رماد لم يعد ينفع معه النفخ لإيقاد جذوة العلاقة الخامدة، أحيانا يدرك أحد الزوجين أن التراجع يعني النهاية لذلك يفضل الاستمرار في علاقة تستمد قوتها من امتصاص روحه والاعتياش على راحته النفسية، فيصل إلى تلك المرحلة التي لم يعد يبالي فيها بأي شيء حوله لا مرور الأعوام ولا فقدانه شغف الحياة ولا حقه في تقرير مصيره، لذلك لا يجد تناقضا في ارتداء قناع السعادة الزوجية وأداء الدور بإتقان، فكل الألوان تساوت في نظره، و"كله محصل بعضه"، وكأن لسان حاله يقول كما قال أبو الطيب المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام
أتذكر مرة وصلتني رسالة من زوجة تخبرني فيها أن كثيرا من سيدات العائلة يغبطنها على تدليل زوجها لها ويسألنها بفضول عن سر تفانيه في إسعادها ويعتقدن أنها تعيش العلاقة الزوجية المثالية التي لا يكدر صفوها مكدر، رغم مرور 20 عاما على زواجهما وإنجابها خمسة أطفال منه، أما الحقيقة التي تختفي وراء ذلك القناع الذي ترتديه تلك الزوجة المسكينة في كل مناسبة واجتماع عائلي، فهي أنها تتحمل تقلبات زوجها النفسية وعصبيته المفرطة التي تصل إلى حد الإيذاء الجسدي المفرط لها ولأبنائها، وسابقا حين كانت تحاول أن تشرح لأهلها قبل إنجابها لأبنائها صعوبة العيش معه، كانوا يطالبونها بالصبر والتحمل، خصوصا أنه رجل ثري والكل يحسدها عليه، وكلما مرت الأعوام كان شيء في داخلها ينطفئ والظلام الداخلي يغمرها حتى لم تعد تبالي سوى أن تكون سياجا يحمي أبناءها من إيذائه وقسوته وأن تتلقى ضرباته العنيفة بدلا عنهم.
وخزة:
"الأشياء التي تظهر لك خارجيا ليست مبررا للحكم على الآخرين، فربما البعض يبتسم في الوقت نفسه الذي تنهار حصون سعادته داخليا، لا تخدعك ظواهر الأمور فأولئك الذين كانوا يستمتعون بأمواج البحر الهادئة لم يعتقدوا أن أمواج التسونامي ستدمر فجأة كل شيء أمامها".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي