الهند عند مفترق طرق «1 من 2»

تقترب الهند الآن من احتلال مكانة الدولة الأكثر أهمية في العالم في الأمد المتوسط. الهند هي الدولة الأكثر سكانا في العالم "ولا يزال عدد سكانها في نمو"، ولأن نصيب الفرد في ناتجها المحلي الإجمالي لا يتجاوز ربع نظيره في الصين، فلا يزال المجال المفتوح أمام اقتصادها لتحقيق مكاسب الإنتاجية هائلا.

علاوة على ذلك، ستزداد أهمية الهند على الصعيدين العسكري والجيوسياسي، وهي ديمقراطية نشطة نابضة بالحياة سيتولد عن تنوعها الثقافي قوة ناعمة تنافس الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
ينبغي لنا أن ننسب الفضل إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في تنفيذ السياسات، التي ساعدت على تحديث الهند ودعم نموها.

على وجه التحديد، عمل مودي على تنفيذ استثمارات هائلة في السوق الموحدة "بما في ذلك من خلال إبطال التعامل بالأموال النقدية وإصلاح ضريبي كبير" والبنية الأساسية "ليس فقط الطرق، والكهرباء، والتعليم، والصرف الصحي، بل أيضا القدرة الرقمية".

أفضت هذه الاستثمارات -إلى جانب السياسات الصناعية التي عملت على تسريع عملية التصنيع، والميزة النسبية في التكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات، ونظام الرفاهة الاجتماعية الرقمي المخصص- إلى أداء اقتصادي قوي في أعقاب الركود الناجم عن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 "كوفيد - 19".
بيد أن النموذج الذي دفع نمو الهند يهدد الآن بتقييده. الواقع أن المخاطر الرئيسة، التي تهدد آفاق التنمية في الهند جزئية وبنيوية أكثر من كونها كلية ودورية.

فأولا، انتقلت الهند إلى نموذج اقتصادي، حيث تهيمن قلة من "الشركات الوطنية الكبرى" - فعليا، تكتلات احتكار القلة الخاصة الضخمة- على أجزاء مهمة من الاقتصاد القديم.

يشبه هذا إندونيسيا في عهد سوهارتو "1967-1998"، أو الصين في عهد هو جيناتو "2002-2012"، أو كوريا الجنوبية في تسعينيات القرن العشرين تحت سيطرة التكتلات التجارية المهيمنة.
في بعض النواحي، خدم تركيز القوة الاقتصادية على هذا النحو الهند. فبفضل الإدارة المالية المتفوقة، سجل الاقتصاد نموا سريعا، على الرغم من معدلات الاستثمار "كحصة من الناتج المحلي الإجمالي"، التي كانت أقل كثيرا من نظيراتها في الصين.

المغزى الضمني هنا هو أن استثمارات الهند كانت أكثر كفاءة، الواقع أن عديدا من التكتلات الهندية تفتخر بمستويات عالمية من الإنتاجية والقدرة التنافسية.
لكن الجانب المظلم في هذا النظام هو أن هذه التكتلات كانت قادرة على الاستيلاء على عملية صنع السياسات لمصلحتها.

كان لهذا تأثيران ضاران عريضان: فهو يخنق الإبداع ويقتل فعليا في مرحلة مبكرة الشركات البادئة والداخلين الجدد المحليين في صناعات رئيسة، وهو يعمل على تحويل برنامج الحكومة "اصنع في الهند" إلى مخطط هدام قائم على سياسات الحماية.
ربما نشهد الآن انعكاس هذه التأثيرات في نمو الهند المحتمل، الذي يبدو أنه انخفض بدلا من أن يتسارع أخيرا. مثلما كان أداء النمور الآسيوية جيدا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الـ20 في ظل نموذج نمو يعتمد على الصادرات الكلية من السلع المصنعة، فعلت الهند الشيء ذاته مع الصادرات من الخدمات التكنولوجية.

كان المقصود من برنامج "اصنع في الهند" تقوية الجانب التجاري في الاقتصاد من خلال تعزيز إنتاج السلع بغرض التصدير، وليس فقط للسوق الهندية.
بدلا من ذلك، تتحرك الهند باتجاه مزيد من تدابير الحماية، التي تحل محل الواردات، فضلا عن إعانات دعم الإنتاج المحلي "مع توجهات ضمنية قومية"، وكلاهما يعزل الصناعات والتكتلات المحلية عن المنافسة العالمية. وتعمل سياساتها الجمركية على منعها من اكتساب مزيد من القدرة التنافسية في مجال الصادرات من السلع، كما تعمل مقاومتها للانضمام إلى الاتفاقيات التجارية الإقليمية على عرقلة اندماجها الكامل في سلاسل القيمة والتوريد العالمية.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكيت سنديكيت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي