هل ستفقد أمريكا أحد محركات النمو؟

تؤدي الخسائر الناجمة عن تخلف سداد الرهون العقارية إلى استنزاف مركز رأسمال البنوك، وبالتالي تتحول إلى أزمة في نظام الإقراض "الائتمان"، ومن المعروف تاريخيا أنها تؤدي إلى تعميق الركود، فمثلا في الثلاثينيات الماضية حصلت أزمة الكساد من تآكل مراكز رأسمال البنوك كنتيجة للتخلف عن سداد القروض العقارية، والأمر تكرر عندما نمت أسعار العقارات اليابانية في الثمانينيات بسبب السماح للمطورين العقاريين بالاقتراض بضمان العقارات وتضخمت أسعار الأصول. وفي نهاية المطاف، دخلت اليابان أزمة مصرفية مطولة لمدة عشرة أعوام في التسعينيات، وفقدت عقدا من النمو الاقتصادي. وما انهيار "بنك سيليكون فالي" أخيرا إلا من المؤشرات المقلقة للبنوك المركزية، لأن البنوك المركزية حول العالم تعرف أن أي إفلاس ناتج من النظام المالي يؤدي إلى انكماش عميق في أنشطة الاقتصاد، ولا سيما أن أزمة "بنك سيليكون فالي" ضربت أرصدة واستثمارات الشركات الناشئة في التقنية التي يروج لها الاقتصاديون في أمريكا ومجموعة G7 أنها محرك للنمو الجديد في الدول المتطورة اقتصاديا، فهل ستخسر أمريكا أحد محركاتها الحديثة للنمو الاقتصادي، أي شركات التقنية الناشئة.
العودة إلى الأسس تساعدنا على فهم المسائل المعقدة، أولا، آثار إفلاس البنوك ليست كإفلاس الشركات، فالنظام المالي للبنوك يعتمد على أموال المودعين في توليد قروض جديدة تضخ مرة أخرى للأسواق والناس، لذا خوف المودعين يؤدي إلى سحب أموالهم وبالتالي يتعثر النظام "الائتماني" الإقراضي. ثانيا، إذا تأملنا أزمات النظام المالي تاريخيا نكتشف أن أسعار الفائدة المنخفضة والطويلة زمنيا تؤدي إلى تشكل الأزمات بما فيها الفقاعات، لكن لا تحصل الأزمات إلا إذا تم تدمير العملة كمستودع للقيمة، ويحصل ذلك عن طريق تهميش الإنتاج الحقيقي في الاقتصاد أو من خلال الممارسات التواطئية -إن صح التعبير- من أصحاب مصلحة كصناع المنتجات المصرفية مع العقار والتأمين -على سبيل المثال- كما في أزمة 2008.
أزمة "بنك سيليكون فالي" تعزى بالدرجة الأولى بعد سعر الفائدة، إلى هدر قيمة الأموال عبر حرقها في المشاريع بطريقة مفرطة مقابل ضعف كفاءة الاستثمار، ولهذا حصل هنا محظوران: سعر فائدة منخفض لفترة طويلة، وهدر قيمة العملة عبر استنزاف رأس مال البنك وأموال المودعين لشراء منتجات تتأثر بالفائدة، ما دفع البنك إلى بيع أصوله لدعم ميزانيته العمومية. ثالثا، إذا ما تم تجاهل استقرار أسعار المستهلكين ودون تدخل مبكر للسيطرة عليها أو زيادة الأجور، فإن الأزمات في النظام المالي ستقع بصورة غير متوقعة.
خلاصة القول: حالتا الازدهار والكساد، مهما كان نوع محرك النمو الاقتصادي، ليستا إلا تفاعل النظام المصرفي مع أسعار الأصول والاقتصاد الحقيقي. آمل أن تمر أزمة "بنك سيليكون فالي" بسلام، وعلى صناع السياسات الاقتصادية مسؤولية منع كسر الأسس الاقتصادية وتواطؤ أصحاب المصلحة مع المصرفيين، لأنهم سيدمرون محركات النمو الاقتصادي الحديثة والتقليدية، دون وعي بمخاطر ما يقومون به على النظام الاقتصادي أمام مكاسب طفيفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي