الصدمات الاقتصادية الزاحفة

عمليا فشل الاقتصاد الأمريكي في إطالة الفارق الزمني بين توسعة عرضه النقدي للهروب من الركود في 2020 من خلال التسهيل الكمي والاستفادة من منافعه، لأنه انزلق في معدلات تضخم مرتفعة وصلت إلى 8 في المائة، وكما يظهر حاليا، أن هذا النوع من التضخم عنيد ومعقد، ولا سيما بعد إفلاس عدد من البنوك، وفي مقدمتها "بنك سيليكون فالي svb".
بمعنى آخر، وقع الاقتصاد الأمريكي في فخ متعدد المستويات حتى وصل إلى نظامه المصرفي. الفخ الأول، صعوبة رفع سعر الفائدة بمعدلات أعلى مما سبق. أما الفخ الثاني، وهو التضخم العنيد الذي يعانيه الاقتصاد. والفخ الأخير، هو إفلاس البنوك بسبب الإجراءين السابقين. وتبين لاحقا بعد أزمة SVB أن حوكمة المصارف الأمريكية هشة بالفعل بسبب تساهل المنظم في مراقبة مؤشرات البنوك، بما فيها مخاطر إدارة الأصول والالتزامات على المديين المتوسط والقصير وبشكل جوهري مع احتمالات رفع سعر الفائدة.
إن خطر العدوى بين البنوك الأمريكية والأوروبية لا يزال قائما، إضافة إلى مخاطر إعادة تسعير الديون العالمية بسرعة مع كل مرة يرفع "الفيدرالي" سعر فائدته، أي إننا أمام مصاعب إضافية ستطول آثارها الأسواق الناشئة والعقارات ذات المديونية المرتفعة، مثل الصين -على سبيل المثال-، كما أنها، أي أسعار الفائدة المرتفعة، ستحد من تدفق الاستثمارات الأجنبية بين الدول ذات الميزة التنافسية في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، وفي نهاية المطاف ستزحف الأزمات إلى الأسواق المالية من خلال خصم كبير في الأسعار الرأسمالية للأسهم.
واحدة من الصدمات المتوقعة التي قد يشهدها الاقتصاد الأوروبي، تخلص مؤسسات التقاعد والتأمين من بعض الأصول للوفاء بالضمانات وبخصومات مرتفعة، هذا ليس ناتجا عن رفع أسعار الفائدة وحسب، بل من خطر شح الودائع في النظام المالي، ويمكننا وصفها بالصدمات الزاحفة التي لم تكن متوقعة.
ربما يتساءل البعض: لماذا لم تكتشف كل تلك المخاطر؟ في واقع الحال، أن النظام الاقتصادي والمالي توجد فيه مناطق ظل أو نقاط عمياء يصعب كشفها إلا عندما تقع، وفي الأغلب هي مخاطر يعضد بعضها بعضا وتؤدي إلى دق ناقوس الخطر، لكن في الجانب الآخر، ما الذي يحمينا منها؟
يمكنني أن أختم مقالة اليوم بإجابة اقتصادية خالصة: أولا، يجب أن يظل الاقتصاد النقدي مقاربا للاقتصاد الحقيقي. ثانيا، الحد من تخطي ديون الدول والشركات والأسر معدلات الثلث من الإنتاجية الكلية. ثالثا، هناك قواعد اقتصادية للنظام الاقتصادي عند كسرها بشكل مؤقت أو التلاعب بها بخلاف ما صممت له، ستؤدي إلى صدمات اقتصادية زاحفة وغير منظورة. أما الجانب غير الاقتصادي في حماية العالم من الأزمات الاقتصادية فهو منع تواطؤ مجموعات أصحاب المصلحة مع المصرفيين خارج إطار الحوكمة، وأعني هنا الإدارات التنفيذية في المصارف ورؤساء الشركات. خلاصة القول: إن النظام الاقتصادي الحالي نقدي وتابع للدولار، وعدم التزام الدول بالأسس الاقتصادية الصحيحة سينقل الأزمات الاقتصادية الزاحفة إليها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي