آثار التضخم والفائدة في الرفاهية
اليوم لا توجد إجابات صريحة من المسؤولين الاقتصاديين في أمريكا أو محافظي البنوك المركزية حول بعض جوانب التضخم التي يشهدها اقتصادهم والعالم ولا يملكون لها تفسيرات وافية بدرجة مقبولة من اليقين يمكن الاعتماد عليها بدليل أن البنوك المركزية ادعت أن التضخم مؤقت، لكن الأسعار وصلت إلى مستويات لم تصلها منذ أربعة عقود رغم كل موجات رفع سعر الفائدة وبما أن التضخم لا يزال مرتفعا إلا أن الفيدرالي رفع سعر الفائدة من 4.57 في المائة إلى 5 في المائة كما رفع بنك إنجلترا المركزي سعر الفائدة إلى 4.25 في المائة وشددت معظم بنوك العالم المركزية أسعار فائدتها تماشيا مع الفيدرالي لمنع هجرة الأموال حتى لو كانت الظروف الاقتصادية مواتية محليا وتتحمل مستويات معقولة من أسعار الفائدة الملائمة، وألفت النظر إلى أن معدلات التضخم في المملكة المتحدة 10.4 في المائة وأمريكا 6 في المائة وسويسرا التي رفعت سعر فائدتها إلى 1.5 في المائة بمعدل 0.5 نقطة رغم التضخم لا يزال منخفضا 3.2 في المائة.
رفع الفائدة في الدول التي تتمتع بأسعار منخفضة واقتصاد متنوع ولا سيما من الاقتصادات الكبرى مؤشر على حجم التشاؤم من الوضع الاقتصادي المقبل، ويعد إجراء صحيا واستباقيا لأن التضخم يحارب عند ظهور مؤشراته وليس عند ظهور بياناته.
تطورات أسعار الفائدة ستؤثر في التوظيف والأنشطة الاقتصادية وتراجع معدلات الاقتراض بالتالي تتراجع معدلات تكوين رأسمال للشركات وتتراجع أسعار الأصول المالية وفي مقدمتها الأسهم والعقارات، بمعنى آخر تتراجع ثروات الشركات والأفراد على حد سواء وفي المقابل لا يمكننا تجاهل كيف أن التضخم يؤثر في الرفاهية الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القوة الشرائية للأفراد، أي: تقل قدرتهم على شراء السلع التي يحتاجون إليها، من جوانب أخرى يمكن للتضخم أن يؤثر في تقليل الاستثمارات وتعطيل النمو الاقتصادي وقد تتدهور قيمة العملة، أي: إن المستهلك يحتاج إلى إنفاق مزيد من المال.
حلقة لا تنتهي من الآثار المتناوبة بين التضخم ورفع سعر الفائدة، لذلك تقوم الحكومات والمؤسسات الاقتصادية باتخاذ إجراءات للحد من آثار التضخم ورفع سعر الفائدة من خلال تحسين السياسات النقدية والمالية وتطوير إدارة الاقتصاد وتحسين تنظيم الأسواق تشريعيا وتنافسيا من حيث عدد المتنافسين وتوافر عناصر الإنتاج الأساسية وتشجيع الاستثمار وتحفيز نشوء نظام نمو اقتصادي مستدام ومتنوع ومراقبة النظام المالي عموما والمصرفي خصوصا. أما الأفراد فيمكنهم حماية رفاهيتهم من خلال جودة التخطيط المالي وشراء الأصول الأساسية المدرة للدخل وتنميتها عبر الزمن.
وفي الختام لا يمكننا تحصين أي اقتصاد من آثار السياسات النقدية، لكن بوسعنا وضع أسس صلبة تحافظ على مستويات آمنة للجميع من خلال عدم كسر القواعد الاقتصادية ولا سيما في الدول الغنية مثل دول الخليج والشمال الأوروبي الغني، لأن وراء كل أزمة مالية قاعدة اقتصادية واحدة مكسورة على الأقل.