«يو بي إس» و«كريدي سويس» وسط تحدي صدام الثقافة

«يو بي إس» و«كريدي سويس» وسط تحدي صدام الثقافة

استغرق الأمر 72 ساعة فقط، حتى يتمكن المنظمون السويسريون من التعجيل بإنقاذ بنك كريدي سويس بمبلغ 3.25 مليار دولار من قبل منافسه بنك يو بي إس.
يواجه المسؤولون التنفيذيون في البنكين الآن بضعة أعوام مؤلمة، بينما يقومون بدمج كلتا الشركتين. حيث ستفقد آلاف الوظائف، وتنقل أنظمة بيانات كاملة، ويتم التخلص من عشرات المليارات من الدولارات من الأصول. لكن المطلعين قالوا إن الخوف الأكبر داخل "يو بي إس" هو كيفية حماية القيمة التي استعادها بعناية، مما وصفه أحد كبار الشخصيات في البنك بالثقافة "الفاسدة" في أنحاء من بنك كريدي سويس.
كما قال مسؤول ثان بارز في "يو بي إس"، مشيرا إلى الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير، الذي صاغ تلك العبارة "حيث نجد دليلا على ثقافة سيئة، فستكون هناك عقوبة حتى يتعظ الآخرون". إذ سيتم إجبار "كريدي سويس" على التكيف مع طريقة "يو بي إس" في القيام بالأشياء، وليس العكس.
يمكن أن تكون الثقافة من الأصول التابعة للمؤسسة، لكنها قد تكون خطرا أيضا. فهي تحدد كيفية تفاعل الموظفين مع بعضهم بعضا ومع العملاء، والقرارات التي يتخذونها وأولويات الشركة، فكلها تؤثر في الأداء المالي. ومن مجلس الإدارة والفريق التنفيذي إلى وظائف الامتثال والمخاطر والأخلاق، كل شخص لديه دور يلعبه.
قال توماس روليت، الأستاذ المشارك في كلية جادج للأعمال في جامعة كامبريدج، "إن ثقافة الشركة يمكن أن تفسر الميزة التنافسية داخل الصناعات". لكن عندما لا تستطيع شركتان التوافق بينهما بعد صفقة، فهذا يعد أمرا خطيرا. "قد يوجد كثير من الاختلاف بحيث لا يمكنهما الاتفاق على سبل المضي قدما، وهناك عداء واضح لدرجة أن الجانبين يبذلان طاقتهما في محاولة للتخلص من الآخر بدلا من تمهيد الطريق للمجموعة المدمجة".
قبل الأزمة المالية لـ2008، كان ينظر إلى البنكين السويسريين الكبيرين على أنهما مؤسستان مراسهما صعب إلى حد ما. لكن بنك يو بي إس غير مساره، بعد أن تم إنقاذه من قبل الدولة ووقوعه في دائرة من الفضائح بما في ذلك نزاع ضريبي شديد الحساسية في الولايات المتحدة وخسائر بقيمة ملياري دولار من قبل متداول محتال. قام البنك بتقليص أكثر أنشطته تعقيدا، وقام بتحسين نفسه وإعادة بنائه كمؤسسة أكثر تحفظا لإدارة الثروات. أما "كريدي سويس"، الذي لم يكن بحاجة إلى إنقاذ في 2008 المعروف بأعماله التمويلية ذات الرافعة المالية، فقد دفع بقوة أكبر نحو العمليات المصرفية الاستثمارية التقليدية التي تتسم بالمخاطر الكبيرة ذات العوائد الكبيرة، حيث قام بالتوظيف بقوة والتوسع بسرعة.
قال أحد صانعي الصفقات الذي قضى أعواما في العمل في كلتا المؤسستين "إن هذا الانقسام في صلب الصدام الثقافي والاختلاف في الكيفية التي يتصرف بها موظفو البنكين"، وأضاف "لطالما كانت ثقافة يو بي إس على الدوام ودية للغاية وجماعية وموجهة نحو الفريق. وعندما أقول ودية، أعني بذلك أنهم في الواقع يحبون بعضهم بعضا (...) لم تكن الخدمات المصرفية الاستثمارية أبدا جزءا من بنك يو بي إس... قد يكون كريدي سويس عكس ذلك، من حيث إن كل فرد فيه كان عدائيا. في كريدي سويس، كان يطلب منك بشكل أساسي الاستفادة من الميزانية العمومية وبهذا تكون حصلت على مكافأة ضخمة، هكذا كانت اللعبة. واستمرت هذه اللعبة لمدة 30 عاما. ولم يكن هناك إحساس بالوجود فيها سوية".
قال موظف سابق في "يو بي إس"، "إنه كان ينظر إلى الخدمات المصرفية الاستثمارية فيما يشبه المقامرة داخل البنك المقرض". ويعد بنك كريدي سويس المحلي جذابا، لكن بالنسبة إلى ثقافة تتسم بأنها "ليست مبهرجة، ولا تلفت الأنظار" مثل ثقافة "يو بي إس"، تعد ذراع إدارة الأصول وقسم الخدمات المصرفية الاستثمارية أكثر إشكالية.
عندما تم تداول الأنباء الأسبوع الماضي عن تعهد المنظمين السويسريين بإمداد بنك كريدي سويس بخط إنقاذ من السيولة، كانت مجموعة من المصرفيين الاستثماريين للشركة وعملاؤهم في مقصورة مخصصة للشركات في حفل جون ماير في ماديسون سكوير جاردن في نيويورك. ووفقا لما ذكره أحد الحضور، فإن المصرفيين "بدأوا في التصافح".
يتعين الآن على بنك يو بي إس ذي الـ160 عاما، الذي استغرق وقتا طويلا للشعور بالأمان بشأن ثقافة العمل الحالية لديه، أن يدمج أكثر الأجزاء خطورة من عمليات "كريدي سويس" في النظام الحالي بعناية.
في المؤتمر الصحافي للإعلان عن الصفقة، أدلى كولم كيليهر رئيس بنك يو بي إس، بتصريح واضح، قائلًا "إن البنك سيقلص بنك كريدي سويس الاستثماري، حيث زادت فيه الخسائر، كي يتماشى أكثر مع ثقافة المخاطر المحافظة لدينا".
ستكون أكثر التبعات الفورية على الموظفين -كما هي الحال في أي عملية استحواذ كبيرة- هي فقدان الوظائف. قال الباحثون عن الكفاءات "إن موظفي بنك كريدي سويس بدأوا سعيهم المحموم للحصول على وظائف جديدة، مع احتمال فصل عشرات الآلاف منهم". أما من سيبقى منهم فيجب أن يتأقلموا.
فيما قال أحد كبار المسؤولين في "يو بي إس"، "إن البنك سيخصص فرقا للنظر في ملفات الموارد البشرية لبنك كريدي سويس بحثا عن دليل على الانزلاق الثقافي". وستكون الأولوية لتحديد الأشخاص الذين ارتكبوا مخالفات تنظيمية، والأشخاص الذين يشكل الأجر لهم دافعا كبيرا و"يطالبون الشركة بالفدية" وأولئك الذين تمت مسامحتهم بسبب تجاوزات سابقة أو تم التعامل معهم "بليونة". وقال "إن هذا السلوك سيتم استئصاله".
كما قال تيموثي جالبين، كبير المحاضرين عن الاستراتيجية والابتكار في كلية سعيد للأعمال، "إن سوء إدارة الثقافة يمكن أن يسبب شعورا بعدم الارتياح"، بعد صفقة ما، حتى مع طرفين مشاركين راغبين في ذلك، علاوة على من يجبرون على عجل على العمل مع بعضهم بعضا.
قال "أتوقع أنه ستكون هناك كثير من المشكلات. لم يستحوذ يو بي إس على بنك إقليمي صغير يمكنك فيه استيعاب عدد قليل من فروع التجزئة. هذه مؤسسة أكبر بكثير، لذا سيتحتم التفاوض على كل شيء".
وأضاف أن "كبار المسؤولين التنفيذيين في بنك يو بي إس سيحتاجون إلى التأكد من أن قبضتهم قوية على سلسلة من الرافعات بما فيها قيم الشركة والتوظيف واستراتيجيات الاتصال والأجور والهيكل التنظيمي.. كل شيء يحدث بوتيرة لا تصدق. كأنهم يقومون بتغيير الإطارات أثناء القيادة على الطريق بسرعة 60 ميلا في الساعة. إن التقييم والتخطيط والتنفيذ يتم على أساس تكراري، والقيام بكل هذا في وقت واحد وبسرعة، سيعني أنه سيكون فوضويا ما لم تتم إدارته بإحكام".
يمكن أن تقدم الأمثلة السابقة للصفقات المصرفية في أوقات الأزمات دروسا للمنظمين السويسريين والمسؤولين التنفيذيين. في حين يمكن اعتبار استحواذ شركة تشايس على "جيه بي مورجان" نجاحا، حيث احتفظت كلتا الشركتين بهويتها وعملائهما، إلا أن معاملة "جيه بي مورجان" في 2008 لشركة بير ستيرنز ينظر إليها بشكل مختلف من قبل البعض. حيث قال أحد كبار محامي الاندماج والاستحواذ "انطلق أفضل الأفراد في (بير ستيرنز) وأنشأوا شركة جوجينهايم بارتنرز، بينما توجه أشخاص رئيسون آخرون من (بير ستيرنز) إلى مكان آخر".
كما يعد استحواذ بنك أوف أمريكا على "ميريل لينش" في 2008 مثالاً آخر على الاصطدام بين الثقافات. "كان بنك ميريل لينش دائما البنك البائع والمشتري القديم، والمصرفي الاستثماري، لكنه لم يكن مصرفيا تجاريا على الإطلاق. فيما كان بنك أوف أمريكا بنكا تجاريا إلى حد كبير". قال المحامي "إن النتيجة مرة أخرى كانت مغادرة بعض أفضل الأشخاص في ميريل لينش".
وأضاف أن "الاستحواذ على مؤسسة مالية يختلف عن الشركات الأخرى، حيث كانت الأصول وهمية". ويمكن للعملاء نقل ودائعهم وأعمالهم إلى مكان آخر بسرعة. "خلاصة القول: تبقى الالتزامات بينما تنتقل الأصول والناس. هذا هو الخطر الحقيقي عندما تتولى إدارة مؤسسة مفلسة أو فاشلة".
وأوضح بنك يو بي إس أنه في وضع هجوم، ولا يرغب في السماح بالقوى التي يمكن أن تعطل التوازن الدقيق الذي تم تحقيقه بشق الأنفس. "لن يخاطر (يو بي إس) بمستقبله أو ثقافته بعد كل الأوقات الصعبة التي مر بها" كما قال كريس روبوك، موظف سابق في "يو بي إس"، الذي تم تكليفه بالمساعدة في دمج الشركة في الأعوام التي أعقبت اندماج بنك الاتحاد السويسري "يو بي إس" ومؤسسة البنك السويسري.
"هذا دمج قسري من قبل المنظمين لتجنب كارثة. كيف نجعل الأمر يعمل بطريقة مجدية ماليا وثقافيا، بحيث لا يقضي على بنك يو بي إس؟".

الأكثر قراءة