قائد استهداف التضخم

أقدم بنك مركزي في العالم هو السويدي، لذلك ربما ليس مستغربا مع التاريخ القديم أن تكون جائزة نوبل في الاقتصاد تحت رعاية البنك. لكن بطل عمود اليوم لم يفز بالجائزة وإنما قاد تغييرا مهما في السياسات الاقتصادية، خاصة أن أفكاره أصبحت في قلب الحالة الاقتصادية اليوم. استهداف الحد من التضخم يعني أن السلطات النقدية تحدد مستوى معينا من نسبة التضخم كنسبة مقبولة ومن ثم تعدل أسعار الفائدة في الأساس، إضافة إلى أدوات نقدية أخرى للتحكم في التضخم. أصبحت أفكار لارز سفينسون Lars Svensson المبكرة رائدة في هذا التوجه وجاءت قبل الأزمة المالية العالمية، ولذلك تمت الاستعانة بأفكاره في حينه.
قبل الخوض في أفكاره لنتعرف عليه طبقا لما نشرت مجلة "المالية والتنمية"، حصل لارز في 1971 على الماجستير في الفيزياء والرياضيات التطبيقية، بعده سجل في مادة التاريخ الاقتصادي، وأشار عليه أستاذه بدراسة الاقتصاد، لأن هناك طلبا عليه أكثر من تخصصه. يقول لارز، إنها أفضل نصيحة في حياته. حصل على الدكتوراه في الاقتصاد في السويد، ثم واصل الدراسة لعام واحد في معهد ماساتشوستس التقني، وعلمه بعض المشاهير مثل ساميلسون وروبرت سولو وستانلي فشر، الذي أصبح نائبا لرئاسة الفيدرالي، وبالاكارد وبول كرجمان، ودراجي الذي كان رئيس البنك المركزي الأوروبي.
بعدها بعقدين تفرغ للأبحاث في جامعة ستكهولم خاصة في النظرية الاقتصادية والاقتصاد الدولي. في التسعينيات ركز على السياسات النقدية. سبب التركيز أنه أثناء هذه الفترة كان مستشارا للبنك المركزي. في تلك الفترة كانت الأوضاع الاقتصادية مضطربة بعض الشيء، فمثلا بعد فك العلاقة بين الكرونة والعملة الأوروبية دخل الاقتصاد السويدي فترة عصيبة على الرغم من رفع الفائدة بمقدار 5 في المائة. طلب البنك المركزي النصيحة منه وسرعان ما أوصى بتجربة نيوزلندا وكندا في استهداف التضخم، ونجح بذلك في خلال عامين.
استطاع بعد الانتقال إلى جامعة برنستون تطوير نموذج مرن لاستهداف التضخم وبالتالي الاهتمام بمستوى التوظيف في الاقتصاد. هذه المدرسة هي التي تسيطر على أغلب البنوك المركزية في الدول الغربية اليوم. ربما إضافة تفصيلية مهمة في النموذج بأن سفينسون اهتم أيضا بالشفافية بإعلان البنوك عن خططهم المستقبلية، لكي تتمكن القطاعات الاقتصادية من التكيف وربما تسهيل إدارة السياسة النقدية على المدى البعيد، لأن هناك فجوة زمنية بين الخطوات الإجرائية والتأثيرات في الاقتصاد. أثناء الركود الكبير على أثر الأزمة المالية العالمية أوصى بنسب فائدة سلبية ورسوم على الودائع البنكية، لإرغامهم على الإقراض، لكي يخرج الاقتصاد من الركود. سرعان ما أخذ البنك الدنماركي بالتوصية ليعقبه آخرون حتى البنك الأوروبي.
بعد خروجه من البنك المركزي كرس جهوده على دور السياسة النقدية في إدارة التضخم والاهتمام بأهداف الإنتاج وترك أهداف الاستقرار المالي لوزارة الخزانة والهيئات الأخرى في الإدارة الاقتصادية. في رأيه أن هاتين السياستين مختلفتان تماما ولذلك لا بد من فصلهما. يبدو أن سفينسون فاز بهذه الجولات الفكرية والتطبيقية في السياسات العامة. على الرغم من عمره البالغ 75 عاما إلا أنه ما زال مهتما بالأبحاث ولا يخشى الأفكار التقليدية، فمثلا لم يقبل معايير أسعار المنازل إلى الدخل للاسترشاد بسياسة عامة للإسكان، أو أن المستهلكين يقلصون مصاريفهم أثناء الأزمات بسبب ارتفاع القروض العقارية.
سفينسون نجم اقتصادي مستقل الطرح ولم يرأس البنك المركزي ولم يفز بنوبل في الاقتصاد، لكنه قدم الكثير للفكر والممارسة في السياسة النقدية خاصة والاقتصادية عامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي