بعد أزمة «سيليكون فالي» .. هل يثق المركزي الأوروبي بقوة نظامه المصرفي؟

بعد أزمة «سيليكون فالي» .. هل يثق المركزي الأوروبي بقوة نظامه المصرفي؟
أثار انهيار مصرف "سيليكون فالي" في أمريكا ثم أزمة بنك "كريدي سويس"، مخاوف من تفشي الأزمة. "أ.ب"

أثار انهيار مصرف سيليكون فالي في أمريكا، ثم أزمة بنك كريدي سويس، مخاوف من تفشي الأزمة. وفي الوقت الذي تراقب فيه الحكومات والمؤسسات المالية في أوروبا الموقف من كثب، لا تبدو الصورة قاتمة تماما.
وفي أعقاب أزمة "كريدي سويس"، ثاني أكبر مصرف في سويسرا، تحرك مسؤولو السياسة والمالية في أوروبا أخيرا لتعزيز ثقة المستهلك.
وقد أثارت صفقة استحواذ مصرف يو بي إس، الطارئة، على منافسه "كريدي سويس"، والمصاعب التي تواجه بعض المؤسسات الأمريكية الأصغر حجما، مخاوف في بعض بنوك منطقة اليورو خلال الآونة الأخيرة. وأكد مستشارون أوروبيون أنه في حال حدوث إخفاق لأحد المصارف في الاتحاد الأوروبي، يجرى تطبيق قاعدة ثابتة، يحدث بمقتضاها استدعاء المساهمين والدائنين الآخرين. ويتم تحمل خسائر البنك بحسب الحصة في رأس المال، وإذا لم يكن ذلك كافيا، يتم اللجوء إلى سندات الدرجة الأولى الإضافية "أيه تي1".
وفي حالة "كريدي سويس"، سيخسر حاملو هذه السندات التي تماثل الأسهم، أموالهم المستثمرة بشكل كلي في إطار صفقة الاستحواذ. وبالنسبة إلى سندات "أيه تي1"، تصل الخسارة إلى نحو 16 مليار فرنك سويسري "16.2 مليار دولار". أما بالنسبة إلى مساهمي "يو بي إس"، فسيخسرون جزءا كبيرا من أموالهم المستثمرة، لكنهم سيحصلون في المقابل على أوراق مالية من "يو بي إس".
وأعربت كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، عن تفاؤلها بعدم تفشي عدوى الأزمة لتصل إلى النظام المالي لمنطقة اليورو.
وقالت لاجارد "إن النظام المصرفي الأوروبي يتمتع بالقدرة على الصمود بفضل موقفه القوي فيما يتعلق برأس المال والسيولة"، وأضافت أنه "في مواجهة التوترات الحالية في الأسواق، فإن المركزي الأوروبي مستعد لدعم النظام المالي بالسيولة، حال الضرورة، وبالحفاظ على استمرار السياسة النقدية في العمل بسلاسة".
ورفع البنك المركزي الأوروبي، الأسبوع الماضي، معدل الفائدة الرئيسة بواقع 50 نقطة أساس، رغم الاضطرابات. وبالنظر إلى درجة الغموض المرتفعة حاليا، لم يلزم البنك نفسه بما هو مقبل. وأوضحت لاجارد أن ذلك سيعتمد على البيانات الاقتصادية، بحسب "الألمانية".
ورغم ذلك، هناك خلافات بين البنوك المركزية والساسة، فيما يتعلق بفاعلية القرارات الأخيرة المتعلقة بمعدل الفائدة.
إيطاليا .. سياسة المركزي الأوروبي تحت التدقيق
لقد أعرب جيانكارلو جيورجيتي وزير الاقتصاد الإيطالي الأسبوع الماضي عن اعتقاده بأن تداعيات أزمة "كريدي سويس" على النظام المصرفي في بلاده ستكون "ضئيلة".
وأشار جيورجيتي إلى اضطرابات السوق المرتبطة بأزمة "كريدي سويس" وإلى انهيار "سيليكون فالي" في وقت سابق، وقال "إنه يعتقد أن الأسواق هدأت بعض الشيء".
وقال الوزير "أعتقد أن الوضع في أوروبا تحت السيطرة. نحن على اتصال مستمر بالسلطات الرقابية، ونتحلى بالهدوء فيما يتعلق بالنظام المصرفي في إيطاليا." وسجلت بورصة ميلانو في إيطاليا هبوطا بنسبة 2.6 في المائة في التعاملات المبكرة يوم الإثنين، وارتفعت أسهم البنوك بعد أكثر من أسبوع من الاضطرابات في أسواق المال العالمية. ولم تفلح عملية إنقاذ "كريدي سويس" في تبديد مخاوف المستثمرين. وفي اليوم التالي، أنهت بورصة ميلانو التعاملات على صعود بنسبة 2.53 في المائة، حيث قفزت أسهم القطاع المصرفي بقوة في أعقاب الخسائر التي كانت تكبدتها نتيجة أزمتي "سيليكون فالي" و"كريدي سويس".
وجدد وزير الاقتصاد الإيطالي انتقاده لسياسة البنك المركزي الأوروبي برفع معدلات الفائدة في مواجهة ارتفاع التضخم، وقال "تجب دراسة هذه السياسة بحذر شديد، حيث إن زيادة أسعار الفائدة قد تكون مفيدة من أجل السيطرة على التضخم، لكنها قد تؤدي إلى مشكلات للاستقرار المالي".
وأوضح أن الحكومة الإيطالية لم تشعر بالارتياح لقرار المركزي الأوروبي الأخير بزيادة سعر الفائدة الرئيس بمقدار 50 نقطة أساس.
وقال أنطونيو تاجاني نائب رئيسة الوزراء الإيطالية ووزير الخارجية "البنك المركزي الأوروبي لا يسير في الاتجاه الصحيح، حتى لو كان هناك اليوم إعادة تفكير. أرى أن هذا ليس نهجا صائبا للتعامل مع التضخم".
فرنسا .. قواعد بازل
3 أنقذت الموقف
قال فرانسوا فيليروي دي جالو محافظ البنك المركزي الفرنسي، الأسبوع الماضي وسط المخاوف من حدوث أزمة في القطاع المصرفي الأوروبي، "إن البنوك الأوروبية في وضع قوي للغاية، وموقفها لا يشبه البنوك الأمريكية".
وأضاف دي جالو، وهو عضو أيضا في مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي "البنوك الأوروبية ليست في وضع بعض البنوك الأمريكية نفسه، وذلك لسبب بسيط للغاية، وهو أنها ليست خاضعة للقواعد نفسها". وقال الوزير "إن القواعد المعروفة باسم بازل 3 التي وضعت عقب الأزمة المالية لعام 2008 كي تضمن وجود رأسمال كاف وسيولة كافية لدى البنوك، كانت فاعالة". وأوضح دي جالو أن نحو 400 مجموعة مصرفية في أوروبا تخضع لقواعد "بازل 3"، مقابل 13 فحسب في أمريكا.
وأشار محافظ المركزي الفرنسي إلى أنه في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، أعفيت البنوك الصغيرة ومتوسطة الحجم في الولايات المتحدة من "بازل 3" في عام 2019. وكان "سيليكون فالي بنك" و"سيجنيتشر بنك" ضمن المصارف المعفاة.
وأشار دي جالو إلى أن "كريدي سويس" كان حالة خاصة، فهو بنك "لديه صعوبات في نموذج العمل.. ومظاهر إخفاق في نظام الرقابة الداخلية".
ورغم أن المركزي الأوروبي أكد استعداده لتوفير السيولة لكفالة استقرار النظام المالي في منطقة اليورو، فإنه رفع سعر الفائدة بواقع نصف نقطة مئوية للتخفيف من آثار التضخم، وذلك رغم المخاوف من أن ارتفاع تكاليف الاقتراض ربما يزيد الضغوط على البنوك.
وقال محافظ المركزي الفرنسي، "إن ما فعله المركزي الأوروبي بعث بإشارة قوية على الثقة باستراتيجيته لمكافحة التضخم، وصلابة المصارف في أوروبا، وفرنسا".
سلوفينيا وبلغاريا وألمانيا تتحلى بحالة من الهدوء
أعلن البنك المركزي في سلوفينيا الأسبوع الماضي أن النظامين المصرفيين الأوروبي والسلوفيني يعملان بقوة، رغم الاضطرابات في أمريكا وسويسرا.
وقال المركزي السلوفيني "يتمتع النظام المصرفي في منطقة اليورو بالقوة، بفضل موقف قوي فيما يتعلق برأس المال والسيولة".
وقالت روزيتا فيلكفورا القائمة بأعمال وزير مالية بلغاريا في تعليق على هذه النقطة "إنه لا توجد خطورة من حدوث عدوى من أزمة سيليكون فالي".
وأشارت ديسيلافا نيكولوفا، كبيرة محللي الشؤون المالية لدى مؤسسة "مويت باري. بي جي"، في بلغاريا، إلى أن زيادة المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، وهو ما بدأ في عام 2022 لم يترك أثرا في السوق البلغارية بفضل وجود سيولة قوية، وأوضح أن البلاد تملك ما يكفي من موارد كي تبطئ العمليات المرتبطة برفع أسعار الفائدة.
وأشارت نيكولوفا إلى أن بلغاريا لا تنتمي إلى منطقة اليورو، وقد حافظت بذلك على أدنى معدلات للفائدة على الإقراض والودائع. وبدلا من الارتفاع التدريجي لأسعار الفائدة، قد تشهد بلغاريا زيادة بوتيرة أسرع، حيث إنه من منظور الاقتصاد الكلي، أسفرت التطورات الأخيرة عن حالة من الغموض.
بينما رحب المستشار الألماني أولاف شولتس الأسبوع الماضي، "بالتحرك الحاسم من قبل السلطات السويسرية" فيما يتعلق بصفقة استحواذ "يو بي إس" على "كريدي سويس"، بحسب ما ذكره متحدث رسمي ألماني.
وأكد المتحدث أن السلطات الأوروبية تعلمت الدرس من الأزمة المالية لعام 2008 حيث شددت لوائح النظام المصرفي. وأضاف "النظام المصرفي الألماني يتمتع بوضع طيب".
وبحسب ما ذكره يواخيم ناجل محافظ البنك المركزي الألماني "بوندسبنك"، فإنه لا نهاية تلوح في الأفق لسياسة المركزي الأوروبي في زيادة أسعار الفائدة، مضيفا "لم يصل المركزي الأوروبي بعد إلى نهاية مساره في رفع أسعار الفائدة".
وفي الوقت نفسه، قال ناجل، وهو عضو في مجلس السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي، في مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز"، "إن أسعار الفائدة تقترب من مستويات تقييدية". ويعد خبراء الاقتصاد هذا هو المستوى الذي تبدأ فيه أسعار الفائدة في إبطاء النشاط الاقتصادي.
وشدد ناجل على أنه يجب على البنك المركزي الأوروبي مقاومة الدعوات إلى خفض مبكر في معدلات الفائدة بمجرد أن تصل الأسعار إلى الذروة. وحذر من أن معدلات التضخم المرتفعة قد تندلع مجددا.
وقال محافظ المركزي الألماني "معركتنا مع التضخم لم تنته بعد".

سمات

الأكثر قراءة