«الزند» .. ذئب العاصي يفترس الظلم على أنغام العتابا
القصص والرويات التاريخية دائما ما تجد مكانتها لدى المشاهد على المائدة الرمضانية، ولا سيما إن كانت قصة ذات بُعد أسطوري، يعيدنا إلى زمن ليس ببعيد، نهاية القرن الـ19.
في قصة شهدتها قرى وادي نهر العاصي في سورية، وبأحداث مفاجئة وعاصفة في كل حلقة، يقدم مسلسل "الزند" قصة الخير والشر، في ملحمة تاريخية توثق حقبة مظلمة من تاريخ شعوب المنطقة.
في مواجهة الإقطاعيين
هذه هي المرة الأولى التي يتطرق فيها مسلسل سوري إلى منطقة سهل الغاب المحيطة بنهر العاصي، من بطولة تيم حسن بدور عاصي الزند، الشاب الذي شهد مقتل والده أمام عينيه دفاعا عن أرضه، حيث كان قبيل مقتله قد سجل أرضه بـ"الطابو"، حسب القانون الذي أصدره الباب العالي في السلطنة العثمانية لتنظيم ملكية الأراضي.
عند هذه اللحظة، يطالبه أحد مساعدي الباشا بإعادة الأرض، وفي لحظة غادرة يقتل والد عاصي، فيباغت الأخير قاتل أبيه ويفقأ عينه، ويفر مختفيا عن الأنظار طوال 17 عاما قضاها في الخدمة العسكرية، التي نال فيها نوط الشجاعة.
وحينما يشتد عوده يقرر الانتقام لوالده والثأر له، فيعود إلى قريته، ليجد نفسه وسط مؤامرات خطيرة أطرافها شخصيات ذات سلطة في منطقة نهر العاصي، في مواجهة نورس باشا وما يملكه من نفوذ وسلطة قوية، إذ يعد الإقطاعي الذي يسعى إلى السيطرة على كل الأراضي المطلة على النهر، بما تختزنه من محاصيل.
تقول الأسطورة إن الأيدي القوية هي من أكسبت عائلة عاصي لقب "الزند"، وفي حالة عاصي الزند فإنه يعود بالمشاهد إلى حقبة مظلمة سيطر فيها الإقطاعيون ورجال الأعمال على أراضي الفلاحين، ولا سيما الإقطاعي نورس باشا، الذي يقتطع أراضي الفلاحين لنفسه، متسلحا بثروة هائلة، وبطش مساعديه، وفساد كان ينهش الدولة العثمانية في أعوامها الأخيرة.
صراعات تنسجها الأحداث
شهد المسلسل عرض جميع اللهجات السورية، إلا أن اللهجة الأساسية لعاصي وأهل قريته هي الساحلية السورية، التي عادة ما ترتبط بالأعمال الكوميدية، أو الإشارة إلى طوائف بعينها، وجاءت هذه المرة ثقيلة على أذن المشاهد في الحلقات الأولى، لكنه سرعان ما اعتاد عليها.
انتقل تيم حسن من مسلسله الشهير "الهيبة" بأجزائه الخمسة من شخصية جبل شيخ الجبل، زعيم العصابة والقاتل، إلى عاصي الزند، الذي أجبرته الظروف على التمرد والعصيان والثأر، إذ تميز عاصي بخفة دمه، وهو كذلك العاشق المتخفي، والأخ السند لأخته وأبنائها، والمتعصب لقريته المنتصر لحقوقهم، في حكاية تقدم شخصيات متقنة، بخلفيات مركبة، تحتد صراعاتها وتحالفاتها وفقا لتصاعد الأحداث، بأسلوب سردي مفعم بالإثارة والتشويق، ولا تخلو من المواقف الإنسانية.
صعود مدو
إحدى أهم الشخصيات التي شاركت في بطولة العمل نورس باشا، التي يؤديها أنس طيارة، وهو الدور المتماسك بتعابير وجهه وحواراته، والكاريزما التي يؤديها بمهارة وتقمص، فكشفت عن موهبة فنية وقدرات تمثيلية عالية المستوى.
أنس شارك العام الماضي في مسلسل "دفعة بيروت"، ويشارك هذا العام أيضا في مسلسل "سفر برلك"، ويروي قصة أربعة أصدقاء عرب في جامعات إسطنبول يثورون على ظلم السلطنة العثمانية ووحشية ممارساتها بحقهم، في دور لقي إشادات واسعة.
مسلسل "الزند" من تأليف الكاتب المسرحي السوري عمر أبو سعدة، وإخراج سامر البرقاوي، بمشاركة نخبة من الممثلين السوريين، وهم: فايز قزق، دانا مارديني، أنس طيارة، رهام القصار، يحيى مهايني، نانسي خوري، باسل حيدر، مجد فضة، طارق عبدو، الفرزدق ديوب، هبة زيني، نهاد عاصي، مازن عباس، طارق السايس، جابر الجوخدار، علاء الزعبي، سارة فرح، تيسير إدريس وجرجس جبارة.
موال العتابا الحزين
موسيقى المسلسل مستوحاة من موال العتابا الحزين القادم من سورية وفلسطين ولبنان، انطلاقا من شارة البداية بصوت الراحلة نوف التي مزجت بموسيقى مستوحاة من تراث المنطقة، وانتهاء بشارة النهاية "رفاق الدرب" التي تؤديها مها الحموي، بجهود الموسيقي الفنان آري جان سرحان، والشاعر برهوم رزق.
وتعرف مواويل العتابا بعمق الحزن المتولد فيها، في نوع غنائي برزت فيه المرأة، التي كانت تبكي شعرا وغناء والدها وزوجها وأبناءها، وتعبر عن الحزن والشوق للأحباب الراحلين.
وفي سياق الموسيقى ذاته، تشارك الفنانة سارة فرح في المسلسل بدور تمثيلي وغنائي، حيث تؤدي دور سناء الغجرية، وتغني مجموعة من الأغاني ذات الطابع الغجري والتراثي، بصوتها القوي والجبلي، الذي أضفى ميزة إضافية إلى المسلسل الرمضاني.
تشابه مع فهد سيغاتا
وكان المنتج اللبناني صادق الصباح قد صرح بأن "الزند" عمل من 60 حلقة، لكنه لا يشبه قصة "أبو علي شاهين" المعروف بفهد سيغاتا، وهي موروث شعبي أقرب إلى الخيال، تتشابه مع قصة الزند.
وسيغاتا هو مزارع بسيط كما يروى، كان يعيش في قرية سيغاتا بريف مصياف أواخر أربعينيات القرن الماضي، عقب استقلال سورية عن الاستعمار الفرنسي، فهو الثائر الذي سكن الجبال، بعد أن رفض ظلم الإقطاعيين تجاه الفلاحين، واستعبادهم، وبيعهم أراضيهم لهم أو محاصيلهم بثمن بخس، ليعمل الفلاح على أراضيه أجيرا. وكانت اللحظات التي حولت "أبو علي" إلى ثائر بعد تعرضه لإهانة، تلت عدم تمكنه من الدفع للباشا، بعد أن عانى أعوام الجفاف، فاستهدف ملاحقيه من الشرطة وأعوان الباشا، وأمضى شهورا من الوحدة والوحشة والتعب والبرد في الجبال والبراري، حتى حمل لقب "الفهد" لكثرة ما وثب ونجا في معاركه مع ملاحقيه، إلى أن يوقع به خاله ويسلمه إلى الشرطة التي أعدمته في ساحة الشيخ ضاهر في اللاذقية، ووثق القصة الروائي السوري حيدر حيدر في روايته "الفهد".