الصراع المدمر بين أمريكا والصين «2 من 3»
على الرغم من استمرار قادة الصين في الترويج للتعددية والانفتاح الاقتصادي، فإن أولويتهم الأولى الآن تتمثل في الاستقرار والاعتماد على الذات في التجارة والاستثمار والتكنولوجيا.
المنطق الاقتصادي سليم. إذ يقارب اقتصاد الصين 80 في المائة من نظيره في الولايات المتحدة، وهذا يعني أن الصين تمتلك سوقا داخلية ضخمة للسلع والخدمات وعوامل الإنتاج. ومن خلال تحسين تكامل سوقها المحلية، ربما تتمكن الصين من الاستفادة الكاملة من إمكاناتها المعززة للنمو، وبالتالي عزل نفسها إلى حد ما عن الضغوط الأجنبية، بما في ذلك التحديات التي تهدد موقعها المركزي في سلاسل التوريد العالمية.
الواقع أن تنويع سلاسل التوريد ـ من خلال ما يسمى "دعم الأصدقاء" على سبيل المثال ـ جار بالفعل، وليس فقط بسبب المنافسة بين الولايات المتحدة والصين. كما أن الصدمات المتكررة ـ من أحداث الطقس شديدة القسوة المرتبطة بتغير المناخ إلى الجائحة والحرب ـ واستخدام العقوبات الاقتصادية على نحو متزايد كأداة من أدوات السياسة الخارجية، أعطت الشركات والحكومات الحافز لتعزيز مرونتها وقدرتها على الصمود.
في الأوضاع المثالية، قد تشمل المرونة الأكبر في عدد كبير من الدول قدرا أقل من الاعتماد على الدولار الأمريكي. ورغم أن هيمنة الدولار العالمية ليست معرضة لخطر وشيك، نظرا إلى غياب البديل القابل للتطبيق، فإن عديدا من الدول الآسيوية تحاول إنشاء آليات لتسوية التجارة تتجنب الاعتماد على الدولار. من الناحية التكتيكية، هذا من شأنه أن يزيد من الصعوبة التي تواجهها الولايات المتحدة في تتبع المعاملات وتحديد انتهاكات العقوبات.
لا ريب أن العواقب الاقتصادية المترتبة على هذا الميل نحو المواجهة بعيدة المدى بقدر ما هي شديدة وقاسية. ولأن سلاسل التوريد العالمية أصبحت أقل مرونة وكفاءة، وأكثر تكلفة، فإن قدرتها على مواجهة الضغوط التضخمية ستتدنى. وبالتالي، سـتـترك البنوك المركزية لإدارة نمو الأسعار وحدها، عن طريق قمع الطلب الزائد.
كل هذا يولد رياحا معاكسة قوية تعرقل النمو. علاوة على ذلك، كما رأينا أخيرا، يتسبب إحكام السياسة النقدية بسرعة، بعد أعوام من أسعار الفائدة شديدة الانخفاض أو السلبية "بالقيمة الحقيقية"، في إنتاج ضغوط مالية ونوبات من عدم الاستقرار، خاصة عندما تكون مستويات الديون ضخمة... يتبع.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2023.