نمو جامح للسياحة في اليونان .. 17.6 مليار يورو عائدات متوقعة العام الجاري
هدر صوت الحفارة في الصباح الباكر عند ميناء ناوسا في جزيرة باروس اليونانية، إذ تشهد هذه الوجهة المرغوبة جدا حركة عمرانية مكثفة على أبواب موسم سياحي واعد.
ويدق النمو الجامح للسياحة ناقوس الخطر مع تزايد مخاوف البلديات من الملاك والمقاولين الذين يفعلون كل شيء بلا حدود في سبيل الربح، الأمر الذي دفع إلى مطالب بتدابير إضافية لمواجهة ذلك.
وينشط سائقو الشاحنات والعمال والمهندسون في مجموعة من ورش البناء على الطريق الرئيسة التي تتوزع على جانبيها منازل بيضاء ذات شبابيك زرقاء أو خضراء أو نادرا حمراء، وفق الطراز المعماري اليوناني التقليدي.
ويعمل السباك نيكوس كريتيكوس بمطرقته على نزع أنابيب الصرف الصحي القديمة من مبنى خضع لإعادة تأهيل كاملة. وفي مكان قريب، كان ثلاثة رجال منهمكين بتفريغ صناديق تحوي بلاطا وألواح سيراميك من شاحنة. وأتاحت أعمال توسعة هذا المنزل القديم إضافة ثلاث غرف وضعت برسم الإيجار، وفقا لـ"الفرنسية".
ويلاحظ هذا الحرفي المتحدر من الجزيرة أن "الجميع ينفذون أشغال تصليح وطلاء"، لتكون مبانيهم في مستوى الحركة السياحية المتوقعة.
في الجهة المقابلة لهذه الورشة، أنجز صندوق عقاري بناء مجمع يضم حوض سباحة وأجنحة، وهو ما يرى فيه الرجل الخمسيني "دليلا على دخول المال الأجنبي" بكثافة.
من أجل الربح
طوت اليونان صفحة الجائحة التي أفسدت العامين الأخيرين، وجاء الإقبال الكثيف للسياح العام الماضي ليعزز الآمال بالنسبة إلى هذا العام، إذ بلغ عددهم 27.89 مليون، أي بزيادة 89.3 في المائة عن العام السابق، وفقا للأرقام الصادرة عن بنك اليونان.
ويتوقع أن تصل عائدات السياحة هذا العام إلى مستوى 2022 على الأقل أي 17.6 مليار يورو، لا بل أن "تتجاوز عائدات عام 2019" (18.1 مليار يورو)، "وفقا للسيناريو الأكثر تفاؤلا"، على قول رئيس اتحاد المكاتب السياحية يانيس ريتسوس.
ويتوقع رئيس بلدية باروس ماركوس كوفايوس أن يكون "الموسم السياحي هذا العام الأفضل، مشيرا إلى أن عدد سكان الجزيرة البالغ في الأوقات العادية 15 ألفا زاد خمسة أضعاف في الصيف الماضي.
واعتمدت اليونان على البناء والسياحة لإنعاش اقتصادها المتعثر بعد الأزمة المالية التي شهدتها، حيث بات القطاع السياحي يوفر ربع الناتج المحلي الإجمالي.
وعلى طول الطريق المتعرجة، التي تربط ناوسا بقريتي ليفكيس وماربيسا، تكثر مواقع البناء والمجمعات السياحية والفيلات الفاخرة المجهزة بأحواض سباحة.
ولاحظ كوستانتيس هانيوتيس في مقهاه في ليفكيس "أنهم يفعلون كل شيء بلا حدود في سبيل الربح"، شاكيا ارتفاع الأسعار بسبب "الاستغلال المفرط للسياح".
تساهل
دقت بلدية سيفنوس، وهي جزيرة أخرى من مجموعة جزر سيكلاديز اليونانية، ناقوس الخطر بشأن "النمو الجامح" للسياحة، داعية إلى اتخاذ تدابير من بينها حظر أحواض السباحة، وفقا لصحيفة "كاثيميريني".
وعلى التلال المغطاة بالشجيرات المزهرة التي تشكل مع زرقة السماء وبحر إيجه لوحة بديعة، لا تزال الجدران الحجرية المنخفضة تذكر بالمدرجات أو المصاطب الزراعية التي كانت سائدة في هذه الجزيرة. أما اليوم، فلم يتبق سوى عدد قليل من بساتين الزيتون وكروم العنب، ويمارس صيد الأسماك بشكل أساسي لتوفيرها للمطاعم.
ويذكر نيكوس كريتيكوس "بأن كل أسرة كانت تبني منزلا لأبنائها في تسعينيات القرن العشرين، أما الآن فلا يتوقف البناء للسياح".
ويخشى الحرفي أن تصبح باروس شبيهة بجارتها ميكونوس التي يقصدها أثرياء العالم والمشاهير لتمضية عطلات فاخرة. في بداية آذار (مارس)، أثار اعتداء مجهولين على عالم آثار مسؤول عن تراخيص البناء في ميكونوس ضجة كبيرة.
وكشف هذا الهجوم الذي وصفته السلطات بـ "المافيوي" عن مخالفات بناء مزمنة، وهي مشكلة شائعة في اليونان. وغالبا ما يحصل الكشف على الورش بعد إصدار رخص البناء، وبالتالي يكون الحل الوحيد في حال وجود مخالفات فرض غرامات لا تردع تكرار المخالفات "إذ لا أحد يخشاها نظرا إلى أن أموالا طائلة" تستثمر في قطاع السياحة، وفق ديسبينا كوتسومبا، رئيسة اتحاد علماء الآثار اليونانيين.
ويلاحظ المحامي المتخصص في قانون التنظيم المدني بانايوتيس جالانيس أن "السلطات غالبا ما تكون متساهلة لأسباب اقتصادية لأن السياحة أصبحت صناعة وازنة في البلاد".
إلا أن رئيس بلدية باروس يؤكد أن عمليات التدقيق والكشف تكثفت هذا العام.