نموذج المغرب الزراعي هل يواجه التضخم القياسي والتقلبات المناخية ؟

نموذج المغرب الزراعي هل يواجه التضخم القياسي والتقلبات المناخية ؟

فاقم ارتفاع أسعار منتجات زراعية أخيرا، مستوى التضخم في المغرب، لا سيما في ظل التقلبات المناخية المؤثرة سلبا في هذا القطاع، ما أثار دعوات لمراجعة السياسة الزراعية لضمان السيادة الغذائية بدل التركيز على التصدير.

وبلغ معدل التضخم خلال الفصل الأول من هذا العام 9.4 في المائة، وفق المندوبية السامية للتخطيط، مقابل 4 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي. ويرجع ذلك أساسا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية 18.2 في المائة.

وتزامن ارتفاع الأسعار هذا مع شهر رمضان الذي يتزايد خلاله مستوى الاستهلاك، ما جر على حكومة عزيز أخنوش سيلا من الانتقادات ومطالب باتخاذ إجرءات عاجلة لحماية القدرة الشرائية.

ونظمت الجبهة الاجتماعية، وهي ائتلاف أحزاب ونقابات يسارية، مؤخرا تظاهرات احتجاجية في مدن مختلفة وإن بقي حجمها محدودا.

لكن الأزمة أثارت أيضا تساؤلات حول نجاعة السياسة الزراعية، وهي محرك النمو الاقصتادي في البلاد، بما يعادل 13 في المائة من الناتج الداخلي الخام و 14 في المائة من الصادرات.

ولم تصدر هذه الانتقادات عن المعارضين فقط، بل أيضا عن المندوب السامي للتخطيط أحمد لحليمي الذي اعتبر في حوار مع موقع "ميديا 24" أن التقلبات المناخية تجعل القطاع الزراعي "مدعوا إلى ثورة لتغيير منظومة الإنتاج، والتوجه نحو تحقيق سيادة غذائية، ولأن ننتج في المقام الأول ما نستهلكه".

اقتصاد المياه

في مواجهة الانتقادات، أكد وزير الزراعة محمد صديقي أن الزيادات ترجع إلى عوامل خارجية وظرفية، مثل موجة برد أخّرت جني محاصيل الطماطم.

وأشاد الوزير بمضاعفة الناتج الإجمالي للقطاع، منذ تبني مخطط "المغرب الأخضر" في 2008، من 63 إلى 125 مليار درهم (6 إلى 12 مليار دولار)، على الرغم من تراجع الأمطار بـ 7 ملايين متر مكعب سنويا منذ 1985.

ومكن المخطط الذي يمتد حتى 2030 من اقتصاد ملياري متر مكعب من المياه سنويا بفضل تقنيات الري الحديثة، وبدء استغلال مياه البحر المحلاة التي تروي اليوم 90 في المائة من محصول الطماطم.

لكن شح الأمطار، خصوصا العام الماضي، يسهم في إنهاك القدرة الشرائية للمستهليكن. فقد "قلص الجفاف المساحة المزروعة ليتراجع العرض وترتفع الأسعار"، كما يوضح الخبير الزراعي عبد الرحيم هندوف.

وارتفعت أسعار المواد الأولية "البذور والطاقة والأسمدة وغيرها" المستوردة من الخارج من 30 إلى 70 في المائة، وفق وزير الزراعة.

وإذا كان مخطط "المغرب الأخضر" مكن من توفير الاكتفاء الذاتي من 50 إلى 100 في المائة، حسب سلاسل الإنتاج، فإن المملكة ما تزال رهينة تقلبات الأسواق الدولية لأسعار المواد الأولية، وللقمح الذي يعدّ مادة استهلاكية أساسية.

السيادة الغذائية

ويعد منتقدو السياسة الزراعية أن استمرار تعثر القطاع الزراعي دليل كاف على ضرورة مراجعة السياسة المتعلقة به، في اتجاه "ضمان السيادة الغذائية التي تبدأ بصناعة البذور"، وفق ما يقول هندوف الذي يضيف "لدينا تأخر كبير في هذا المجال رغم أن عندنا باحثين ينتجون بذورا لكنها لا تسوق".

ويرى الباحث في المجال الزراعي أن استعمال بذور ملائمة للمناخ المحلي يمكن أن يرفع المردودية من الحبوب من حوالى 20 قنطارا للهكتار حاليا إلى 30 أو 40 قنطارا، بشرط توفير "إرشاد زراعي وتقنيات حديثة" للمزارعين المتوسطين والصغار، "لكن الدولة تهتم أساسا بالمزارعين الكبار المصدرين".

وتطمح المملكة إلى مضاعفة الصادرات الزراعية من 30 إلى 60 مليار درهم (3 إلى 6 ملايين دولار) في أفق 2030، برهان استراتيجي على تحلية مياه البحر.

وقالت جمعية منتجي الخضر والفواكه في رسالة وهتها الى رئيس الحكومة، إن الحكومة مدعوة أولا إلى إصلاح منظومة التسويق التي تعاني تعدد وسطاء "يربحون 3 إلى 4 مرات قيمة المنتوج"، داعية إياه إلى تعليق قرار تصدير الطماطم الذي اتخذ لضمان تزويد السوق المحلي.

وكانت الحكومة أعلنت قبل أسابيع عمليات لمحاربة المضاربين، لكن الناطق باسمها مصطفى بايتاس قال إن هذه الإجراءات "لم تحقق ما كنا نطمح إليه".

وتضع هذه الأزمة حكومة عزيز أخنوش تحت ضغط متواصل، علما أن التضخم مستمر منذ العام الماضي (6.6 في المائة) بسبب ارتفاع أسعار المحروقات.

ويرى المندوب السامي للتخطيط أن "ارتفاع الأسعار سيصبح هيكليا"، "حتى ننجز الإصلاحات لتحسين الإنتاجية وتطهير سلاسل التسويق".

ورفع المصرف المركزي في مارس معدل الفائدة الرئيسي إلى 3 في المائة للمرة الثالثة منذ سبتمبر للتحكم بالأسعار، في قرار لا يوافق توجهات الحكومة التي تراهن على إنعاش النمو الاقتصادي هذا العام إلى 4 في المائة.

سمات

الأكثر قراءة