«إيغاد» قوة اقتصادية مرهونة بالاستقرار السياسي .. 1.3 تريليون دولار ناتج بحلول 2043
كانت فكرة تكامل أقطار القارة الإفريقية يوما ما، أحد الاحلام التي سيطرت على تفكير كثير من قادة حركة التحرر الإفريقي في نضالهم من أجل نيل بلدان القارة السمراء حريتها من الاستعمار الأوروبي، وربما كان هذا الحلم تحديدا أحد أبرز الدوافع وراء إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963.
لكن الواقع المعاصر ينبئنا بما حدث للحلم الإفريقي، فالحروب الأهلية والصراعات الداخلية والاقتتال بين بلدان القارة كانت كفيلة بتراجع الحلم أو عدم اكتماله.
وعلى الرغم من أن منظمة الوحدة الإفريقية أنشأت عديدا من المؤسسات في جميع أنحاء القارة لتشجيع وتعزيز عملية التكامل، إلا أنها كانت غالبا منظمات ورقية ذات طابع بيروقراطي لم تسهم في تحول حلم التكامل الإفريقي إلى واقع ملموس ومعيش.
لكن الأعوام الأخيرة وبعد أن بات التكامل سمة من سمات الاقتصاد الحديث والمتطور لما يحققه من مجموعة كبيرة من الفوائد، فإن حلم التكامل الإفريقي خاصة في نسخته الإقليمية بدأ يستعيد زخمه مرة أخرى.
الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيغاد" التي تشكلت عام 1996 كانت دليلا على أن حلم التكامل الإقليمي الإفريقي بدأ يستعيد قوته المفقودة، مستندا إلى تفكير عالمي يدعم فكرة التكتلات إذا توافرت الظروف لجعلها فعالة ومثمرة.
منظمة "إيغاد" المؤلفة من ثماني دول تضم في عضويتها إثيوبيا وأريتريا وكينيا والصومال والسودان وأوغندا، تلك البلدان الستة تصنف دوليا على أنها تقع ضمن مجموعة البلدان منخفضة الدخل، في حين تصنف جيبوتي وكينيا على أنها بلدان متوسطة الدخل.
ويعطي هذا التصنيف انطباعا بأن المنظمة ليست أكثر من تجمع "للبلدان الفقيرة"، إذ تلعب المساعدات الدولية المقدمة لهم دورا مهما لضمان بقائهم على قيد الحياة، فالمجموعة حاليا هي ثاني أكبر متلق للمساعدات بين المجموعات الاقتصادية الإقليمية في إفريقيا.
لكن تلك النظرة الأولية تبدو من وجهة نظر بعض الخبراء متسرعة في حكمها بعض الشيء، دون أن ينفي ذلك أن المصاعب الاقتصادية تحد من قدرة البلدان الثمانية على النهوض.
وبلغ إجمالي حجم سكان مجموعة "إيغاد" 281.7 مليون نسمة عام 2019، وسيرتفع إلى 483.7 مليون شخص بحلول عام 2043، كما أن الزيادة في عدد السكان تترافق مع تغير في التكوين السكاني ليصبح أكثر نضجا، ففي عام 2019 كان 59 في المائة من السكان قد تجاوزوا سن 15 عاما، وسترتفع تلك النسبة لتصل إلى 67 في المائة بحلول عام 2043، ما يعني أننا أمام سوق اقتصادية واعدة على الأقل من حيث الحجم، وتوافر الأيدي العاملة بما يعطي مؤشرا أوليا على الجاذبية الاستثمارية.
من جانبها، قالت لـ «الاقتصادية» الدكتورة ماجي دكلين أستاذة التنمية الاقتصادية في جامعة ديرهام، "عاملان لا يجب الاستهانة بهما عند تقييم الأفق الاقتصادي لمجموعة إيغاد، ففي عام 2019 تم تصنيف 88 مليون شخص أي نحو 31 في المائة من إجمالي سكان المجموعة بأنهم يقعون ضمن شريحة الفقراء للغاية، لكن بحلول عام 2043، سينخفض عدد الأشخاص الذين يقعون في تلك الشريحة إلى 40 مليون شخص فقط، في وقت سيرتفع فيه عدد السكان، ومن ثم ستنخفض نسبة شريحة الفقراء للغاية إلى ما يزيد قليلا على 8 في المائة من إجمالي السكان".
وأضافت، "العامل الثاني يتعلق بحجم الاقتصاد الذي سيقفز من 275 مليار دولار عام 2019 إلى 1.322 تريليون دولار، أي سيرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 381 في المائة".
وأشارت الدكتورة دكلين إلى أن متوسط دخل الفرد في مجموعة "إيغاد" يرجح أن يصل إلى 5622 دولارا عام 2043، لكنها تربط تحقق ذلك بتبني بلدان المجموعة التجارة الحرة بوصفها الأسلوب الأمثل للتكامل والتنمية بين بلدانها،
في الواقع، فإن التكامل المرجو في مجموعة "إيغاد" يعد بمنزلة شبكة من التدخلات تتضمن إنشاء منطقة تجارة حرة وتقارب بين مكونات الاقتصاد الكلي وتنسيق في مجال التنمية الصناعية وتشجيع للاستثمار المشترك وتطوير جماعي للبنية التحتية.
في المقابل، يرى لـ «الاقتصادية» الدكتور بيلي رايان أستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن، أن الحديث عن قدرة المجموعة على إحداث انقلاب اقتصادي في المسيرة التنموية للبلدان الأعضاء فيها، يتضمن قدرا كبيرا من المبالغة ويتجاهل كثيرا من الحقائق على أرض الواقع.
وأوضح لـ «الاقتصادية» أن "البلدان الثمانية تعاني جميعا وبلا استثناء تحديات متعددة ومعقدة، ابتداء من الصراع الداخلي، الذي انفجر أخيرا في السودان قبل أيام، وقبله حرب أهلية في إثيوبيا بين الحكومة المركزية وإقليم تيجراي، وفي الوقت ذاته الصومال يعاني الإرهاب والجفاف الذي يقود إلى مجاعة، جنوب السودان وعلى الرغم من الهدوء النسبي في الأوضاع فإن إمكانية الانفجار واردة في أي لحظة، من هنا طبيعة النظام السياسي القائم في أغلب بلدان مجموعة إيغاد يحول عمليا دون تفعيل المقومات الاقتصادية المتوافرة لديها".
وعلى الرغم مما تحمله وجهة النظر تلك من رؤية سلبية تجاه إمكانية نجاح العمل الإقليمي المشترك لدى بلدان المجموعة، فإن كثيرا من الخبراء الاقتصاديين يتبنون وجهة نظر قريبة من تلك الرؤية، ويشيرون إلى أن الاستقرار بشكل عام شرط أساسي لدعم جوانب التنمية الأخرى، باعتباره عنصرا أساسيا لحشد رؤوس الأموال المحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشر، كما أنه يحسن الثقة العامة بمناخ العمل التجاري.
ويشير بعض الخبراء إلى أنه حتى إن نجحت بلدان المجموعة في تحقيق الاستقرار السياسي المرجو فإن متوسط دخل الفرد سيظل أقل من متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا، وبينما سيصل متوسط دخل المواطن الإفريقي في عام 2043 إلى نحو 7157 دولارا، فإن البلدان الأعضاء في المجموعة لن تفلح في الوصول إلى هذا الرقم حتى مع استقرار الأوضاع السياسية المضطربة في بلدانها.
مع هذا فإن مجموعة أخرى من الخبراء يعتقدون أن تكثيف بلدان المنظمة لتعاونهم المشترك في مجال التجارة الحرة، ورفع معدلات الإنفاق الاستثماري على مشاريع البنية الأساسية، سيمثلان دائما المدخل الأساسي لإحداث تغيير حقيقي في معدلات النمو والمسار التنموي في بلدان "إيغاد" .
بدوره، قال جونسون جبريال الاستشاري الاقتصادي السابق في منظمة التجارة الدولية، "إن تعزيز التجارة الحرة بين بلدان المجموعة سيعمل على تحسين الميزان التجاري في معظم بلدان المجموعة".
وبين لـ «الاقتصادية» أن "التصور بوجود مسار اقتصادي واحد ستكون له انعكاسات إيجابية على جميع بلدان المجموعة أمر غير واقعي ومبالغ فيه، فالتجارة الحرة ستؤدي إلى تحسن الميزان التجاري للبعض بمعدلات أعلى من الآخرين، بل إن جنوب السودان قد يشهد تدهورا كبيرا في ميزانه التجاري والصومال أيضا، لكن الأعضاء الستة الآخرين سيكونون في وضع أفضل، وبذلك يمكننا القول إن الانعكاس الكلي على المجموعة سيكون إيجابيا، وسيضمن في نهاية المطاف ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي".
ويستدرك قائلا "الانفتاح التجاري ممثلا في التجارة الحرة سيقلل من معدلات الفقر على الأمد الطويل بعد زيادته في البداية بسبب آثار إعادة التوزيع للتجارة".
وبالفعل فإن معظم البلدان الإفريقية ومن بينها بلدان مجموعة "إيغاد" تصدر السلع الأولوية ومنتجات صناعية منخفضة التكنولوجيا، ومن ثم فإن التجارة الحرة ستزيد المنافسة بين البلدان في تصدير السلع الأولية والمنتجات الصناعية منخفضة التكنولوجيا، ما سيؤدي إلى ازاحة البلدان ذات القطاعات التصنيعية غير الفعالة مرتفعة التكلفة، ما يؤدي إلى ارتفاع الفقر في البداية، لكن مع تكييف الاقتصاد وإنتاجه للسلع التي يتمتع فيها بمزايا نسبية تنخفض معدلات الفقر.
ويجعل ذلك كثيرا من الخبراء الذين يعدون الفقر ومجابهته هو التحدي الأكبر والأول الذي تواجهه بلدان مجموعة "إيغاد"، يتوقعون أن تحرز الدول الثماني الأعضاء في المجموعة تقدما قويا في مكافحة الفقر لينخفض معدله من أكثر قليلا من 31 في المائة عام 2019 إلى 8.3 في المائة بحلول عام 2043. ولا شك أن انخفاض معدلات الفقر يساعد على تحول مجموعة "إيغاد" من متلق للمساعدات الإنسانية والإعانات الدولية، إلى مستقبل للاستثمارات الأجنبية المباشرة، لكن نظرا إلى تفاوت معدلات التنمية ومستوى البنية التحتية والقدرة الاستيعابية لرؤوس الأموال الدولية بين بلدان المجموعة، فإننا سنشهد تناقضا بارزا بين الدول الأعضاء في حجم الاستثمارات الأجنبية الموجهة إلى كل دولة.
من جانبه، يرى بنجامين جاجشوا الباحث في الاقتصاد الإفريقي، أن الدور الذي ستقوم به التجارة الحرة لإحداث تنمية مستدامة في بلدان "إيغاد" لا يمكن له أن يكتمل دون انفاق ملحوظ على البنية التحتية الأساسية، مثل: الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي والوصول إلى الكهرباء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، خاصة في البلدان منخفضة الدخل من أعضاء المجموعة، يضاف إلى ذلك ضرورة زيادة الإنفاق على البنية التحتية المتقدمة مثل الموانئ والمطارات والسكك الحديدية.
وأوضح أن البنية التحتية متردية في أغلب بلدان "إيغاد"، وبذلك فهي حجر عثرة رئيس أمام التنمية المستدامة، خاصة في المناطق الريفية، وعلى سبيل المثال مستوى وصول المواطنين إلى الكهرباء في بلدان المجموعة أقل من المتوسط العام في إفريقيا.
باختصار، يرى الخبراء أن بلدان مجموعة "إيغاد" تتمتع بإمكانات اقتصادية كبيرة، وإذا أحسن استخدامها فستحقق معدلات نمو تسمح لها بإخراج السواد الأعظم من مواطنيها من براثين الفقر، لكن غياب الاستقرار السياسي يعوق مسيرة المجموعة، كما أن الاعتماد على التجارة الحرة لتحقيق النهضة الاقتصادية يجب أن يترافق مع زيادة الإنفاق الاستثماري على البنية التحتية، وبذلك تكتمل قوى الدفع الحقيقية التي من دونها لن تكون بلدان "إيغاد" قادرة على النهوض الاقتصادي أو تحقيق حلم التكامل الإفريقي الإقليمي.