الرهان على ضعف الدولار محفوف بالمخاطر
يراهن المستثمرون على مزيد من الضعف في الدولار بعد انخفاضاته الأخيرة، في وقت تحد فيه تداعيات الأزمة المصرفية، التي حدثت الشهر الماضي من مدى إمكانية رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، ويبحث المستثمرون الأمريكيون في الخارج عن عوائد.
بعد موجة صعودية استمرت 18 شهرا قادته إلى أعلى مستوى له منذ 20 عاما مقابل سلة من العملات في أيلول (سبتمبر) العام الماضي، ظل الدولار في تراجع مع خفض المحللين توقعاتهم برفع أسعار الفائدة الأمريكية. وسجل الأسبوع الماضي أدنى مستوى له في عام مقابل اليورو، وكذلك مقابل سلة عملات أوسع.
على الرغم من الانخفاضات، ترى صناديق التحوط وبعض المحللين أن الاحتمال الأكبر لرفع أسعار الفائدة من نصيب منطقة اليورو، حيث يتحسن النمو الاقتصادي، وتواصل المملكة المتحدة الضغط لدفع الدولار إلى الهبوط.
قال آلان روسكين، كبير الاستراتيجيين الدوليين في "دويتشه بنك": "شهد الدولار موجة رائعة لكنه بدأ في التحول. التشاؤم الذي رأيناه العام الماضي بشأن أوروبا عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية يتلاشى، وفي الوقت ذاته لدى العملات الأخرى قصص إيجابية خاصة متعلقة بها".
ضاعف المتداولون المضاربون تقريبا مراكزهم المكشوفة في الدولار منذ منتصف آذار (مارس)، وفقا لحسابات شركة ريفينيتيف المستندة إلى بيانات لجنة تداول السلع الآجلة، وهذا يشير إلى أن صناديق التحوط تراهن على أن الدولار سينخفض أكثر. في أحدث البيانات الأسبوعية، زاد المضاربون من مراكزهم المكشوفة، ليصل الإجمالي إلى 10.73 مليار دولار.
سلط روسكين، من "دويتشه بنك"، الضوء على الصورة الاقتصادية الوردية في أوروبا، وعلى التكهنات بأن كازو أويدا، المحافظ الجديد لبنك اليابان، قد يخفف من اعتماده الطويل على السياسة النقدية فائقة التيسير وسط ضغوط تصاعدية على أسعار الفائدة، التي تعد محركات رئيسة لتحركات العملة.
من المتوقع على نطاق واسع أن يرفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة ثلاثة أرباع نقطة مئوية أخرى، إلى 3.75 في المائة، بحلول الصيف، حيث يثير النمو وأسواق العمل الضيقة مخاوف من أن المعركة ضد التضخم لم يتم كسبها بالكامل.
على الرغم من تمسك أويدا حتى الآن باستراتيجية سلفه، إلا أن ذلك لم يبدد تكهنات بأن بنك اليابان سيسعى إلى التخفيف تدريجيا من سياسته المتمثلة في التحكم في منحنى العائد للإسهام في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة.
في المملكة المتحدة، الأسواق على وشك احتساب ارتفاع بمقدار نصف نقطة يفرضها بنك إنجلترا بحلول أيلول (سبتمبر).
على النقيض، بعد ارتفاع مرتقب على نطاق واسع بواقع ربع نقطة في اجتماعه في أيار (مايو)، تتوقع الأسواق أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي قريبا في خفض أسعار الفائدة إذا أثبتت التوقعات المتزايدة بحدوث ركود في الولايات المتحدة صحتها.
الأزمة المصرفية الأخيرة في الولايات المتحدة أثرت أيضا بشدة في الدولار.
بعد انهيار ثلاثة بنوك في أسبوع واحد في آذار (مارس)، أظهر مسح معتاد أجراه الاحتياطي الفيدرالي في دالاس انخفاضا حادا في أحجام الإقراض المصرفي في جميع المجالات. كما أشارت عدة مجموعات من بيانات الوظائف إلى ضعف أسواق العمل، على الرغم من أن تقرير الرواتب الشهري لم يدعم ذلك بعد.
"الصدمة التي لحقت بالبنوك الأمريكية (...)تعزز فكرة أن الولايات المتحدة قد تدخل في ركود قبل الاقتصادات الكبرى الأخرى" وهو أمر سلبي للدولار، كما قال إبراهيم رهبري، كبير استراتيجيي العملات في "سيتي جروب".
في غضون ذلك، دعم الاحتياطي الفيدرالي للنظام المصرفي، بما في ذلك تقديمه برنامج إقراض جديدا، تسبب جزئيا في عكس جهوده الرامية إلى تقليص ميزانيته العمومية. وكانت التخفيضات، المعروفة باسم التشديد الكمي، طريقة أخرى لتقليل السيولة الزائدة في النظام، لكن اضطرار الاحتياطي الفيدرالي إلى صب سيولة في البنوك الإقليمية المتزعزعة قوض هذه الجهود.
قال كريس تيرنر، رئيس استراتيجيات العملات الأجنبية في شركة آي إن جي المالية: "في الأساس، أسعار الصرف تعد امتدادا للسياسة النقدية – تمتع الدولار بموجة رائعة (...) كل هذا تغير بداية هذا العام مع ظهور علامات تباطؤ والذي تفاقم بسبب الأزمة المصرفية".
مع ذلك، يمكن لرهان الصناديق على مزيد من ضعف الدولار أن يوقعها في مأزق إذا هرع المستثمرون فجأة إلى الملاذات في حالة حدوث أزمة.
قالت جين فولي، رئيسة استراتيجية الصرف الأجنبي في "رابو بنك"، إن الظروف الحالية التي تثقل كاهل الدولار "يمكن أن تتبخر بسرعة إلى حد ما إذا أحست الأسواق بحلقة ضعيفة أخرى في القطاع المالي أو الاقتصاد العالمي مع تكيف العالم مع أسعار الفائدة الأعلى". أضافت: "يمكن أن يرتفع الدولار كثيرا دون سابق إنذار".
ومثلما حدث هذا العام، فإن أي طريق لمزيد من حالات تسجيل الدولار ضعفا يحتمل أن يكون وعرا، لأن المستثمرين يأخذون في الحسبان إلى أي مدى تحتاج البنوك المركزية إلى تشديد السياسة النقدية للسيطرة على التضخم.
وفقا لأثناسيوس فامفاكيديس، رئيس استراتيجيات الصرف الأجنبي لمجموعة العشر في بنك أوف أمريكا "إذا نظرنا إلى الوراء هذا العام، في كانون الثاني (يناير) كان الأمر أشبه بالسيناريو الأمثل حين انخفض التضخم الرئيس. ثم في آذار (مارس)، بسبب الاضطرابات المصرفية، ضعفت السوق. لن يكون الطريق خطا مستقيما، بل مثل رحلة على مركبة أفعوانية".