«إيجاد الفرص في المشكلات» .. هل تمثل روسيا مشكلة أم فرصة للصين؟

«إيجاد الفرص في المشكلات» .. هل تمثل روسيا مشكلة أم فرصة للصين؟

أبرزت الحرب الروسية في أوكرانيا وجها جديدا لعلاقات التعاون بين روسيا والصين، ضمن محاولات صد التكتل الغربي بقيادة الولايات المتحدة.
لكن تعاون موسكو المكثف مع بكين بلغ بها أحيانا إلى حد الاعتماد عليها في جوانب كثيرة، وفقا لفاليري هدسون، أستاذة أمريكية في العلوم السياسية في قسم الشؤون الدولية في كلية بوش للحكومات والخدمة العامة في جامعة تكساس أيه آند إم.
وقالت هدسون في تقرير نشرته مجلة "ناشيونال إنتريست" الأمريكية، "إن الحليف المتعثر يصبح أكثر اعتمادا على الطرف الآخر، حيث أصبحت الصين لا غنى عنها لروسيا، وهذا يوفر للصين نفوذا كبيرا على جارتها".
وأضافت "وتفاوضت بكين بالفعل على تخفيضات كبيرة في أسعار موارد الطاقة التي تشتريها من موسكو. وروسيا بحاجة إلى روبل، والصين مستعدة تماما للعب الكرة، مقابل ثمن. إضافة إلى هذه التخفيضات في أسعار الطاقة، تفاوضت الصين على شروط مواتية للاستثمار الصيني في البنية التحتية الروسية الرئيسة، مثل الطرق والموانئ، حتى الأراضي الزراعية".
وذكرت أنه رغم أن شروط هذه الاتفاقيات ليست علنية، فإن الاستثمارات الصينية المماثلة في دول أخرى كانت مشروطة بسيطرة أكبر من المتوسط على الأصول الناتجة.
ويتركز كثير من الاستثمارات الصينية في الشرق الأقصى الروسي، الذي هجر سكانه بسرعة كبيرة في الأعوام الأخيرة لدرجة أنه يشهد معدل "نمو" سكاني مذهل بنسبة ناقص 33 في المائة.
وقالت هدسون "إنه في آذار (مارس)، تحدث تشين جانج وزير الخارجية الصيني الجديد، ببلاغة عن حالة العلاقات الصينية - الروسية"، مبينة أنه "كلما أصبح العالم غير مستقر، أصبح من الضروري أن تتقدم الصين وروسيا في علاقاتهما بشكل مطرد، ومن المؤكد أن الشراكة الاستراتيجية ستزيد من قوة إلى قوة".
وتابعت "يجري استنزاف روسيا في أوكرانيا، وهو أمر ليس محرجا فقط من وجهة نظر سياسة القوة، لكنه عمل أيضا على زيادة وحدة الناتو وحجمه. وقد يتحول حليف مقيد إلى عبء وعائق، كما أن الحليف الذي يحتمل أن يتجاوز العتبة النووية ينذر بكارثة".
وترى هدسون أن الصين لديها مكاسب كبيرة، بعد كل شيء، فهي تحلم بأن يحل نظام تقوده الصين محل النظام الذي يقوده الغرب، ويشعر البعض بأن خطة السلام التي اقترحتها الصين أخيرا المكونة من 12 نقطة تظهر رغبتها في رؤية حليفتها روسيا تتراجع عن حرب طويلة طاحنة بالوكالة مع الغرب مع حفظ ماء الوجه، كما أن المفاوضات حول وقف إطلاق النار هذا من شأنها أن توفر على الصين الخيار المؤلم المتمثل في إسقاط العقوبات الاقتصادية الغربية عنها أم لا إذا اضطرت إلى تسليح الروس خشية هزيمتهم.
عموما، كان الفيلسوف الصيني صن تزو هو الذي قال "النصر يأتي من إيجاد الفرص في المشكلات". وفي حين أن هناك بالتأكيد بعض الجوانب السلبية للصين في علاقتها الحالية مع روسيا، إلا أن هناك أيضا جانبا مشرقا للغاية.
وهنا تتساءل هدسون: هل يوفر ضعف روسيا ثروة من الفرص للصين لتأمين مصالحها الوطنية؟ وتقول "إن الاستراتيجيين العظماء يرون أن هناك فرصة في المشكلات".
يشار إلى أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينج، وقعا في موسكو الشهر الماضي، وثيقتين لتعميق العلاقات الروسية - الصينية وخطة لتطوير التعاون الاقتصادي تتضمن تمديد شراكتهما الاستراتيجية حتى 2030.
والوثيقتان هما "بيان مشترك من قبل روسيا والصين حول تعميق الشراكة والتفاعل الاستراتيجي بما يتواءم مع الدخول في حقبة جديدة" و"بيان مشترك حول خطة التنمية للمجالات الرئيسة للتعاون الاقتصادي لـ2030".
وتم الاتفاق بين البلدين على زيادة شحنات الغاز الإضافية للصين وتوسيع خطوط النقل بينهما من خلال بناء الطرق والجسور، وأكد شي تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي الثنائي، وقيام الصين بتصدير مزيد من السلع الإلكترونية إلى روسيا.
وأشار الرئيس الروسي إلى أن الوثائق الموقعة تدل على مستوى العلاقات بين موسكو وبكين التي هي عند أعلى مستوى في التاريخ، كذلك لفت إلى أن الوثائق الموقعة مع الصين تتضمن هدفا بمضاعفة حجم التجارة معها.
وقال الرئيس الروسي في مؤتمر صحافي عقد بعد مراسم توقيع "حدد البيان المشترك بشأن خطة تطوير المجالات الرئيسة للتعاون الاقتصادي حتى 2030 مهمة مضاعفة حجم التجارة وتعميق العلاقات في ثمانية مجالات استراتيجية".
وأشار إلى أن التجارة بين روسيا والصين وصلت إلى رقم قياسي تاريخي تجاوز مستوى الـ185 مليار دولار عام 2022، ومن المتوقع أن تتجاوز التجارة بين البلدين في العام الجاري مستوى 200 مليار دولار.
وقال الرئيس الروسي "إن الفرص الإضافية لإطلاق إمكانات الاقتصادين الروسي والصيني يتم توفيرها من خلال الاتحاد الأوراسي ومبادرة الرئيس الصيني "حزام واحد - طريق واحد".
وأكد للزعيم الصيني في وقت سابق أن موسكو مستعدة لمساعدة الشركات الصينية على أن تحل محل الشركات الغربية التي غادرت روسيا بسبب الصراع في أوكرانيا.
وناقش الزعيمان مقترح خط أنابيب باور أوف سيبيريا2 الذي سينقل الغاز الروسي إلى الصين.
وسينقل خط الأنابيب المقترح 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا من روسيا إلى الصين عبر منغوليا. وطرحت موسكو الفكرة منذ أعوام، لكنها اكتسبت زخما مع لجوء روسيا إلى الصين لتحل محل أوروبا كعميل رئيس للغاز. وأوضح بوتين في تصريحات أذاعها التلفزيون موجها حديثه إلى شي "أنا مقتنع بأن تعاوننا متعدد الأوجه سيواصل التطور لمصلحة شعوب بلدينا، روسيا مورد استراتيجي للنفط والغاز والفحم للصين". وأكد شي أنه يتعين على الصين وروسيا العمل بشكل أوثق لدفع "التعاون العملي" قدما إلى الأمام، قائلا لبوتين "يمكن رؤية الثمار المبكرة لتعاوننا، فيما يتحقق مزيد من التعاون".
وفي قطاع الطاقة قال بوتين: "إن روسيا سترسل إلى الصين ما لا يقل عن 98 مليار متر مكعب من الغاز بحلول 2030". وأعلنت شركة غازبروم الروسية العملاقة تسليم شحنات يومية قياسية إلى بكين، عبر خط أنابيب سيبيريا الذي يمر في الشرق الأقصى الروسي باتجاه شمال شرق الصين، خلال لقاء الزعيمين. وقالت "غازبروم" في بيان، "الكميات المطلوبة حققت رقما قياسيا جديدا لإمدادات الغاز اليومية نحو الصين". وردا على أسئلة حول الرقم الدقيق لهذه الكميات، أعلنت الشركة أنها "لا تقدم معلومات إضافية".
وأكد مصدر آخر من "غازبروم" أن "الكميات اليومية" التي تسلم الى الصين هي "معلومات تجارية ونحن لا نكشف عنها". يأتي هذا الإعلان من عملاق الغاز الروسي في اليوم الثاني لزيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس الصيني شي جين بينج إلى موسكو، الهادفة إلى تعزيز العلاقات الثنائية الدبلوماسية والاقتصادية، وبينها إمدادات الطاقة.
وبلغت العام الماضي شحنات الغاز عبر خط "قوة سيبيريا" إلى الصين أعلى مستوى لها على الإطلاق بلغ 15.5 مليار متر مكعب. وبحلول 2025، تعتزم موسكو مضاعفة صادراتها بمعدل 2.5 عبر هذا الأنبوب لتصل إلى 38 مليار متر مكعب سنويا.
وتزود شركة غازبروم الروسية بالفعل الصين بالغاز عبر خط أنابيب باور أوف سيبيريا بموجب صفقة مدتها 30 عاما بقيمة 400 مليار دولار تم تدشينها في نهاية 2019. ويمتد خط الأنابيب هذا نحو ثلاثة آلاف كيلومتر.
وما زالت صادرات روسيا من الغاز إلى الصين تمثل جزءا صغيرا من الرقم القياسي الذي بلغ 177 مليار متر مكعب الذي صدرته روسيا إلى أوروبا بين عامي 2018 و2019.

سمات

الأكثر قراءة