ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي «2 من 2»
تحدثت في المقال السابق عن الواقع الجديد في ظل الابتكارات النوعية والتقنيات المتجددة، خاصة الرقمية منها، لاستخدامات الذكاء الاصطناعي، وتم استعراض بعض الأمثلة لذلك، وذكرت نموذج "جي بي تي" الذي يعتمد على استخدام تقنيات التعلم العميق، وذكرت أن هناك كثيرا من المخاطر والتحديات تواجه الذكاء الاصطناعي التوليدي عموما، وأن هناك جهودا كبيرة من العلماء والباحثين والمطورين يعملون على تحديث وتحسين مثل هذه النماذج بصفة دورية ومستمرة، ما يشير إلى ثورة مقبلة لا محالة في هذا الجانب، وأننا بحاجة إلى الاستعداد لذلك، بتوحيد وتكثيف الجهود بخطط استراتيجية والبدء ببناء مراكز قواعد بيانات ضخمة وربطها بشبكة متكاملة، موثوقة المصادر، وتكون كمنصة وطنية متكاملة، وفي هذا المقال سنأخذ بعض الأمثلة التوضيحية لكيفية الاستفادة من ذلك والعوائد الإيجابية لها، على جميع النواحي سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها.
يتطلب نجاح الذكاء الاصطناعي التوليدي عدة أمور، منها: توافر مجموعة كبيرة ضخمة ومتنوعة من قواعد البيانات، الأمر الذي يتطلب أن يتم جمعها بشكل صحيح ودقيق ومنظم، وعدة تقنيات ابتكارية متقدمة ومهمة، يتطلب توافرها حسب طبيعة المحتوى المراد إنتاجه من استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، من تلك التقنيات على سبيل المثال، تقنيات الشبكات العصبية الاصطناعية، وهي عبارة عن نماذج حاسوبية تعتمد على محاكاة تفاعلية، تشابه العملية الحيوية للدماغ البشري، حيث يتم تدريب هذه النماذج على البيانات الضخمة المتاحة لتوليد المحتوى المطلوب، وهناك كذلك تقنيات التعلم العميق، وهي تمثل التقنيات المعينة والمسؤولة عن تدريب الشبكات العصبية الاصطناعية بشكل أكثر تعقيدا وعمقا، وهي تتميز بالقدرة على التعلم التلقائي والتحسين الذاتي، كما تعد التقنيات التي تمكن الحاسوب من فهم اللغة البشرية والتواصل وتسمى تقنيات اللغة الطبيعية، وهي تعد من التقنيات الأساسية، ومن التقنيات أيضا، تقنيات التصور الحاسوبي، وهي التي تسمح للحاسوب بتحليل الصور والفيديوهات وإنتاج المحتوى الجديد المطلوب إنتاجه، كما أن أنواع هذه التقنيات المطلوبة تعتمد على هدف المحتوى المراد تحقيقه من الذكاء الاصطناعي التوليدي، فمثلا نحتاج إلى تقنيات الروبوتات مثل تلك الأجزاء الميكانيكية في المصانع التي تساعد على تصنيع وإنتاج السيارات أو الأثاث أو الملابس، على سبيل المثال، "وهو ما أعني بالمحتوى"، وهناك تقنيات ابتكارية متنوعة وعديدة أخرى، يتطلب توافرها حسب طبيعة المحتوى المراد إنتاجه.
ففي المجال التعليمي، بدأ الذكاء الاصطناعي التوليدي استخدام تقنية GPT بشكل واسع، حيث يساعد استخدامها على تطوير الأنظمة التعليمية الذاتية ومساعدة الطلاب والمعلمين في عديد من المجالات، مثل توليد النصوص التعليمية والمحاضرات والتمارين الدراسية والتعليمات والإرشادات والاختبارات أيضا، بناء على الاحتياجات والمتطلبات الفردية للطلاب، كما يمكن أن تستخدم في تطوير نظام التقييم الأدائي للطلاب، حيث يمكن للطلاب تقديم إجاباتهم وتحليلها بشكل تلقائي وتحديد المجالات التي يحتاجون إلى التحسين والتركيز فيها، كما يمكن أيضا استخدام هذه التقنية في تحليل البيانات الكبيرة المتعلقة بالتعليم والتنبؤ بسلوك الطلاب وتوفير خطط تعليمية مخصصة، وفاعلة لكل طالب، وبالتالي يمكن عدها عموما، إحدى الأدوات المهمة في تحسين جودة التعليم.
كما يمكن استخدامها في المجال العسكري والدفاعي، سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث يمكن أن تستخدم في تطوير وتحليل المعلومات الاستخباراتية والتنبؤ بالتهديدات الأمنية، وبالتغيرات المستقبلية في الظروف الجوية والبيئية والاجتماعية التي قد تؤثر في العمليات العسكرية، وتحديد الخطط الاستراتيجية والتكتيكية بشكل أكثر فاعلية، كما يمكن أن تستخدم في تطوير أنظمة التعلم الآلي المستخدمة في الروبوتات والأنظمة الذكية للتحكم في الأسلحة والمركبات الدفاعية، وفي تدريب القوات على المهارات العسكرية والتكتيكية المختلفة، وذلك من خلال إنشاء نماذج تفاعلية يمكن للجنود التفاعل معها وتحسين مهاراتهم بشكل كبير، وفي تحسين وتطوير التقنيات العسكرية، من خلال المساعدة على تصميم الأسلحة والمركبات العسكرية وتحسين الأنظمة اللوجستية، إضافة إلى إمكانية استخدامها أيضا في تحسين الأمن السيبراني للقوات الدفاعية، من خلال تطوير أنظمة تعتمد على التعلم الآلي للكشف عن الهجمات السيبرانية وحماية الشبكات من التهديدات الأمنية المحتملة.
والأمثلة كثيرة على إمكانية استخدامات هذه التقنية، في عديد من المجالات الأكاديمية والصناعية والتجارية و الطبية وفي الإعلام والترفيه وغيرها، وأصبحت تشكل ثورة تقنية ابتكارية متجددة بالفعل، حيث بدأ كثير من الدول الكبرى استخدامها وتطبيقها، مثل: الولايات المتحدة والصين واليابان وكوريا والمملكة المتحدة وغيرها.
والسعودية تعد من الدول الرائدة في التحول الرقمي في المنطقة، حيث إن من مستهدفات رؤية 2030، تحقيق التنمية المستدامة وتحويل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد رقمي متطور، ويشمل ذلك استخدام التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في جميع المجالات، بما في ذلك التعليم والصحة والنقل والإعلام والأعمال، وأطلق عديد من البرامج والمبادرات التي تهدف إلى جذب الاستثمارات ودعم البحث والتطوير والابتكار، وشاهدنا عديدا من التطبيقات الحكومية الإلكترونية المتنوعة، وهناك خطوات طموحة نحو الريادة الرقمية عالميا، وأرى أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي التوليدي، عن طريق وضع الخطط الاستراتيجية نحو بناء قواعد بيانات ومعلومات دقيقة وطنية لكل قطاع في مجاله، لتطبيقات وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، خصوصا أنه تم أخيرا إعلان المنطقة الخاصة للحوسبة السحابية والمعلوماتية، ما يسهل عملية هذا البناء، وتوجيه المراكز والهيئات التطويرية والبحثية للاستفادة من خوض هذه التجربة وإنشاء الشركات المتخصصة، ودعم الشركات الناشئة وعمل الشراكات الدولية مع الشركات العالمية ذات الخبرة في هذا المجال من خلال صندوق الاستثمارات العامة، سيدعم وبشكل كبير مسيرة هذا البلد نحو الريادة والتنافسية والتنمية المستدامة.