عمالقة التكنولوجيا في تأهب لمعركة الذكاء الاصطناعي
أقنع لاري بايج، مؤسس شركة جوجل، ديمس هاسابيس ببيع شركته ديب مايند للذكاء الاصطناعي، بشرط تحقيق وعد واحد. ستتم حماية الشركة الناشئة التي تتخذ من لندن مقرا لها من الضغوط لكسب الأموال من أجل التركيز على هدف واحد: إنشاء برمجية حاسوب تعادل الذكاء البشري أو تتفوق عليه.
منذ الصفقة البالغة 400 مليون جنيه استرليني في 2014، كافح هاسابيس للحفاظ على تعهد بايج ووفقا لثلاثة أشخاص على دراية بجهوده، فقد تجاوز ذلك حتى. دفعت شركة ديب مايند من أجل وضع قانوني مستقل أقرب إلى مؤسسة غير ربحية، مع مجلس إدارة مستقل يشرف على التكنولوجيا القوية التي كانت تحاول بناءها.
لكن انتهت مثل هذه الخطوات الأسبوع الماضي، عندما أعلن ساندر بيتشاي، خليفة بايج كرئيس لشركة ألفابيت الشركة الأم لجوجل، أن شركة ديب مايند ستندمج مع جوجل برين، مختبر الذكاء الاصطناعي لشركة التكنولوجيا العملاقة ومقره كاليفورنيا.
تعني هذه الخطوة أن هاسابيس سيتنازل عن استقلال شركة ديب مايند العزيز مقابل مزيد من القوة والتأثير في مستقبل الذكاء الاصطناعي. سيقود وحدة "جوجل ديب مايند" التي تم تشكيلها حديثا، بمهمة واضحة تتمثل في تطوير "أنظمة ذكاء اصطناعي عامة" تكون أكثر "قدرة ومسؤولية"، ويمكن دمجها في منتجات وخدمات جديدة، وفقا لبيتشاي.
كانت عملية إعادة تنظيم جوجل مدفوعة بصعود مجموعة أوبن أيه آي، المدعومة من شركة مايكروسوفت التي أطلقت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي برمجية شات جي بي تي، روبوت محادثة يقدم إجابات نصية معقولة ودقيقة للأسئلة.
أدت الشعبية المفاجئة لبرمجية شات جي بي تي، التي تم استخدمها من قبل أكثر من 100 مليون شخص بدءا من كانون الثاني (يناير)، إلى تحطيم اعتقاد شركة جوجل بأن لديها تقدما قويا في السباق لبناء وتسويق الذكاء الاصطناعي.
أعلنت شركة مايكروسوفت منذ ذلك الحين أنها ستدرج أدوات شركة أوبن أيه آي المبنية عبر برامجها الإنتاجية. وأعلن المنافسون الأثرياء، من شركة ميتا إلى شركة علي بابا، عن استثمارات ضخمة في منتجات الذكاء الاصطناعي. من المقرر أن تؤدي كثير من الشركات الناشئة التي تتمتع بموارد جيدة، بما في ذلك الجهد الوليد لإيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وتويتر إلى مزيد من المنافسة.
تواجه شركة جوجل أيضا معضلة وجودية. إذ يبدو أن أعمالها في محركات البحث، التي شكلت أغلبية العوائد السنوية لشركة ألفابيت التي بلغت 283 مليار دولار في 2022، معرضة لتهديد مباشر. حيث يمكن أن تستجيب نماذج اللغات الكبرى مثل شات جي بي تي للاستفسارات بإجابات مكتوبة شاملة، وليس بمجموعة من الروابط. يمكن لهذه الأدوات أن توفر لملايين المستخدمين طريقا لتجاوز الإعلانات عبر الإنترنت.
وفي سعيها للرد على التهديد، أعادت شركة جوجل تنظيم نفسها بحيث يصبح هاسابيس بشكل أوضح مسؤولا عن مقاومة الشركة، وفقا لأشخاص على دراية بهذه الخطوة.
لتسريع جهود شركة البحث العملاقة، قال هاسابيس "إن فريقه الجديد سيحتاج إلى العمل بسرعة أكبر، وتعاون وتنفيذ أقوى، ولتبسيط الطريقة التي نتخذ بها قراراتنا للتركيز على تحقيق أكبر تأثير".
للتغلب على شركة أوبن أيه آي، ستحتاج وحدة جوجل ديب مايند التي تم تشكيلها حديثا إلى التخلي عن أعوام من المنافسة، وفقا لكثير من موظفي شركتي جوجل وديب مايند السابقين والمتعاونين معهم.
رغم أن فريق جوجل برين كان يتضمن أيضا نخبة من باحثي الذكاء الاصطناعي، إلا أن الفريقين لهما ثقافات مختلفة. كانت شركة ديب مايند التي تتخذ من لندن مقرا لها تعد جوهرة تاج الشركة، حيث تم إبعادها إلى حد كبير عن بقية المجموعة وتتبع نهجا من أعلى إلى أسفل، وفقا لأربعة موظفين سابقين في كلتا المؤسستين.
غالبا ما كانت تعمل على مشاريع بشكل خفي، رغم أن ذلك أصبح أكثر صعوبة حيث بدأت في استهلاك مزيد من القوة الحاسوبية في مراكز بيانات شركة جوجل. كانت مهمتها المتمثلة في "حل" الذكاء مقدسة. إن نجاح موظفيها يقاس عبر نشر الأعمال في كبريات المجلات العلمية مثل مجلة "نيتشر". قال ثلاثة أشخاص مقربين من شركة ديب مايند "إن قادتها يركزون على مشكلات من مستوى نوبل أو على مشكلات، إذا تم حلها، تستحق جائزة نوبل".
في هذه الأثناء، كان مركز برين الذي يقع مقره في كاليفورنيا أكثر انفتاحا وغير منظم. لقد أسهم بشكل كبير في أرباح شركة جوجل على مر الأعوام، وفقا لعدة موظفين سابقين. تم دمج مخرجات مركز برين في البحث، والإعلانات، والترجمة وأجزاء أخرى من أعمال شركة جوجل.
على الرغم من هذه النجاحات، يقول الموظفون "إنهم بدأوا يشعرون بأنهم بلا هدف". حيث قال موظف سابق في شركة جوجل "شعرت بأن الهيكل التنظيمي (في برين) كان في الواقع، منذ البداية، هيكلا لا يمكن توسيعه".
قال جيف دين، رئيس مركز برين، عالم ذكاء اصطناعي يعمل منذ فترة طويلة ويحظى باحترام كبير في الشركة، "إنه كان مترددا في اتخاذ القرارات الصعبة اللازمة للتركيز على الأفكار وتوسيع نطاقها، مثل معالجة قضايا الموظفين أو إيقاف المشاريع الفاشلة".
وأضاف "إذا تعين علي تلخيص سبب وجود شركة أوبن أيه آي في مكانها الحالي مع وجود موارد وأشخاص أقل مقارنة بشركة جوجل، فذلك لأنها قدمت رسالة واضحة. بينما ضل مركز برين طريقه".
ووفقا لبيتشاي، فإن التغيير الذي حدث الأسبوع الماضي سيسمح لدين بالتركيز على البحث، ما يجعل هاسابيس مسؤولا عن مجموعة موسعة من العلماء.
في حين إن التغييرات يحتمل أن "تثير كثيرا من الجدل" وتتسبب في بعض الاضطراب بين الموظفين، فقد تكون هذه أفضل فرصة لشركة جوجل لتنفيذ "عملية أكثر إحكاما" واللحاق بمنافسيها، وفقا لأشخاص على دراية بعملية الاندماج.
إن فريقي الذكاء الاصطناعي مسؤولان بالفعل عن اختراقات كبيرة في الذكاء الاصطناعي. تتضمن مساهمات شركة ديب مايند ببرنامج ألفا فولد، الذي يمكنه التنبؤ بشكل كل بروتين معروف تقريبا. مساهمات برين تتضمن "ذا ترانسفورمر"، تكنولوجيا ذكاء اصطناعي تمثل أساس الموجة الجديدة من منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بما في ذلك برمجية شات جي بي تي وروبوت المحادثة الخاص بشركة جوجل "بارد".
على مدار العامين الماضيين، تقبل هاسابيس الحاجة إلى تعاون أكبر مع شركة جوجل، وفقا لأشخاص مقربين من الشركة.
حجم قوة الحوسبة والاستثمار المطلوب لبناء ما يسمى بنماذج اللغات الكبرى، التي يمكن أن تولد نصا معقدا ومعقولا، توسع بسرعة. يعد توظيف مواهب الذكاء الاصطناعي مكلفا بشكل متزايد. حيث أعلنت شركة مايكروسوفت هذا العام أنها ستستثمر ما يصل إلى عشرة مليارات دولار في شركة أوبن أيه آي على مدى عدة أعوام لمواجهة هذه التحديات.
ويعني ارتقاء هاسابيس أيضا أن قلب عمليات الذكاء الاصطناعي في شركة جوجل ينتقل إلى لندن، وهي خطوة لها آثار عميقة.
قال دان هيندريكس، مدير الأبحاث في مركز أمان الذكاء الاصطناعي "إن مدى التأثير الذي تحتفظ به شركة ديب مايند (...) يؤثر بشكل كبير في مدى مسؤولية شركة جوجل". وأشار إلى أن شاين ليج، الشريك المؤسس لشركة ديب مايند، قد ركز على سلامة الذكاء الاصطناعي والمخاطر لأكثر من عقد، بينما لم يكن لدى مركز جوجل برين فريق مخصص للسلامة أو التوافق. قالت شركة جوجل "إن لديها مئات الأشخاص الذين يعملون على الذكاء الاصطناعي المسؤول داخل الشركة".
قال أشخاص مقربون من القسم الجديد "إنهم يعتقدون أن الدمج سيكون مفيدا لأبحاث الذكاء الاصطناعي بشكل عام". وقال بيتشاي "إن مشروع الذكاء الاصطناعي الأكثر أهمية واستراتيجية سيتضمن بناء سلسلة من نماذج الذكاء الاصطناعي القوية متعددة الوسائط". وستكون مشابهة لبرمجية جي بي تي-4، التي تشغل جزءا من محرك بحث بينج التابع لشركة مايكروسوفت، ولام دي أيه، أنموذج شركة جوجل الذي يدعم روبوت المحادثة بارد الخاص بها.
قال الناس "إنه لم يتضح بعد كيف ستؤدي إعادة التنظيم إلى منتجات تجارية أكثر طموحا". في النهاية، لم تدافع شركة ديب مايند عن الحاجة إلى جني الأموال من عملها. ويجادل المقربون من هاسابيس بأنه يفهم أن الوقت الراهن هو لحظة التغيير.
قال أحد الموظفين السابقين في شركة ديب مايند "ديمس عملي للغاية، وتنافسي بشكل كبير جدا. إنه أيديولوجي من ناحية الرؤية، لكنه يريد أن يكون في مقدمة هذا المجال. إنه ليس معاديا للتجارة. هذه أفضل طريقة لأداء عمله، وإلا لما وافق عليها".