هل يهيمن اليوان؟
الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد أمريكا، وأهم محركات نمو العالم اقتصاديا، والدولة الأكبر في التجارة الدولية، وتشير البيانات إلى أنها تنتج 29 في المائة من إجمالي التصنيع العالمي، وثاني الأسواق استهلاكا في العالم، وتأتي في المرتبة الأولى من حيث تعادل القوة الشرائية للناتج المحلي GDP PPP، أي قوة العملة في شراء سلع مماثلة في دول أخرى من خلال الاستناد إلى الدولار الدولي.
تعتمد سيطرة أي عملة على مجموعة واسعة من العناصر، وفي مقدمتها: سياسات البنك المركزي، ومستوى الاستثمارات الأجنبية والتجارة الدولية، إضافة إلى العلاقات الدبلوماسية والشراكات الدولية، وتسوية المعاملات التجارية والمالية بين الدول، والعنصر الأخير الأكثر أهمية، ما مدى استخدامها كعملة احتياطية في البنوك المركزية وفي سلة حقوق السحب الخاصة التابعة لصندوق النقد الدولي.
بنهاية 2022 تراجع الدولار إلى 58 في المائة من احتياطيات البنوك المركزية للدولار، وفي الوقت نفسه تسعى الصين جاهدة إلى توسيع تجارتها الثنائية باليوان بدلا من الدولار بما في ذلك تفاوضها مع الدول النفطية للتسعير بعملتها بدلا من الدولار، ثم إن الصين تسيطر على عملتها من خلال نطاق تداول سعر صرف محدود، وهي بذلك تهدف، أي الصين، إلى تعزيز صادراتها وجعلها أقل تكلفة أمام جميع الدول المصنعة.
بنك الصين المركزي مستمر في توسيع خطوط المبادلة الثنائية بالعملة المحلية مع بنوك مركزية حول العالم من أجل تعزيز استخدام اليوان في التعاملات التجارية الدولية، كما أن بعض البنوك المركزية تعمل على وضع حصة من الاحتياطيات باليوان الصيني، ولا تزال تلك الحيازات غير مستقرة مقارنة بالعملات الرئيسة الأخرى.
حجم الاقتصاد الصيني والحساب الرأسمالي المفتوح للمستثمرين الأجانب كانا أمورا حاسمة في إضافة اليوان إلى سلة حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي في 2016، وبهذا الإجراء زادت عملة الصين من جاذبيتها كعملة احتياطية ضمن العملات الرئيسة: الدولار واليورو والين والجنيه الاسترليني. ويشير بعض التقارير إلى أن الحساب الرأسمالي على الأموال الصينية يخضع لقيود تحد من خروج الأموال من الاقتصاد الصيني.
من العوامل الأخرى التي تجعل اليوان في طريق الهيمنة، استقرار الاقتصاد الصيني الكلي وإمكانية التنبؤ به، وفي هذا الجانب حقق الاقتصاد الصيني استقرارا على الرغم من ظروف جائحة 2020 وما عقبها من مشكلات في سلاسل الإمداد والإغلاق الاقتصادي، وكان من الاقتصادات القليلة في تحقيق نمو اقتصادي إيجابي.
في الختام، نتذكر بأن الدولار لم يأخذ مكان الجنيه الاسترليني بين عشية وضحاها، وإنما كان عبر مراحل وحروب عالمية متتالية. ومن المشاهدات والبيانات الكلية نرى أن اليوان مستمر في كسب مزيد من القوة مع الزمن، إلا أنه يحتاج إلى خطوات في تعميق أسواق المال والسيولة مع ضمان تدفق الحساب الرأسمالي للصينيين والأجانب دون قيود وبشكل مفتوح كليا، حتى تكتمل كل تلك المتطلبات الاقتصادية لن يقضي على الدولار، بل سيأخذ من حصته العالمية.