المهاجرون .. من أزمة دول إلى حاجة ماسة

المهاجرون .. من أزمة دول إلى حاجة ماسة
أشخاص يسيرون في أحد شوارع لندن. وصل صافي الهجرة في البلاد إلى مستوى قياسي بلغ نحو نصف مليون شخص العام الماضي. تصوير: ماجا سميجكوسكا "رويترز"

عندما تتصدر كلمة "مهاجرون" العناوين الرئيسة، في الأغلب ما تكون مصحوبة بكلمة "أزمة". لكن هناك قصة أخرى عن الهجرة تتضح أيضا - قصة تتنافس فيها الدول على نحو متزايد مع بعضها بعضا لجذب العمال المهرة إلى ضفافها.
طالما كانت هناك منافسة عالمية لجذب كبار العلماء ومهندسي الحاسب ورجال الأعمال، لكن الدول تحاول الآن جذب مجموعة أوسع بكثير من المهاجرين ذوي المهارات المختلفة، بدءا من التصنيع إلى التمريض والبناء.
يقول جان كريستوف دومون، رئيس الهجرة الدولية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن النقص الحاد في العمالة بعد الجائحة كان أحد العوامل، إلى جانب تفاقم الضغوط السكانية في رقعة دول ذات تركيبة سكانية مسنة. يعيش نصف سكان العالم تقريبا الآن في دولة أو منطقة معدل الخصوبة مدى الحياة "متوسط عدد الأطفال لكل امرأة" فيها أقل من "معدل إحلال الأجيال" البالغ 2.1 طفل لكل امرأة - الرقم الذي يحافظ على ثبات عدد السكان.
في كندا، تستهدف الحكومة زيادة كبيرة في الهجرة، مشيرة إلى أنه من المتوقع أن تتحول نسبة العمالة إلى المتقاعدين من سبعة عمال إلى متقاعد واحد قبل 50 عاما إلى عاملين إلى متقاعد بحلول 2035. تريد الحكومة 465 ألف مقيم دائم جديد هذا العام "ارتفاعا من رقم قياسي بلغ 405 آلاف العام الماضي" و485 ألفا في 2024 و500 ألف في 2025.
من جهة أخرى، تحاول ألمانيا جذب مزيد من الناس من خارج الاتحاد الأوروبي. لم يعد بإمكانها الاعتماد فقط على العمال من داخل الكتلة، بالنظر إلى أن دولا مثل بولندا تتقدم في السن بسرعة أيضا. وبموجب الإصلاحات المخطط لها، ستستخدم "بطاقة الفرص" نظام نقاط يسمح للمهرة بالانتقال إلى ألمانيا بسهولة أكبر. كما تريد خفض المدة التي يجب أن يعيش فيها الناس في الدولة قبل حصولهم على الجنسية، ورفع الحظر المفروض على الجنسية المزدوجة للأشخاص من خارج الاتحاد الأوروبي.
كما وعدت أستراليا بإصلاحات لجعل نظام الهجرة أقل تعقيدا وأكثر جاذبية للمهاجرين المهرة الدائمين. قال أندرو روز من البعثة الدائمة لأستراليا لدى الأمم المتحدة لمؤتمر فيينا للهجرة العام الماضي، "نريد جميعا أن نقود ثوراتنا الخضراء، ثوراتنا الرقمية، ونحن نتنافس مع ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا".
يضيف دومون، "أن الدول تدرك بازدياد أن (...)السماح للناس بالمجيء غير كاف. عليك أن تقدم لهم حزمة جذابة". عوامل كثيرة مهمة، هل يمكنهم إحضار أسرهم؟ هل يمكن لشريكهم العمل؟ هل يمكنهم الانتقال إلى تصريح طويل الأجل؟ هل سيشعرون بأنهم غير مرحب بهم؟
إذا كان سباقا، فإن أحد الفائزين غير المتوقعين حتى الآن هي المملكة المتحدة. اعتقد كثير من البريطانيين الذين صوتوا ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي - بمن فيهم أنا - أنه بخروجها من الاتحاد الأوروبي ستصبح الدولة أكثر انعزالا. لكن صافي الهجرة وصل إلى مستوى قياسي بلغ نحو نصف مليون شخص العام الماضي. احتلت المملكة المتحدة مرتبة في أعلى عشر دول في تصنيفات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للدول الأكثر جاذبية للعمال ذوي المهارات العالية. الأمر المذهل أكثر هو أن العامة لا يمانعونها. في 2022، ولأول مرة في تاريخ الاقتراع، فضل عدد أكبر من الناس الحفاظ على مستويات الهجرة، أو حتى زيادتها، أكثر ممن فضلوا تخفيضها.
المسألة المهمة هي ما إذا كانت الحكومات قادرة على الحفاظ على موافقة الشعب لجلب مزيد من العمال المهاجرين "حتى مع تعبير الناس عن استيائهم من الهجرة غير النظامية". روب فورد، أستاذ السياسة في جامعة مانشستر، متفائل بحذر تجاه المملكة المتحدة، على الأقل. أولا، هناك تغييرات هيكلية جارية، فالناس الذين ذهبوا إلى الجامعة أصبحوا أكثر انفتاحا على الهجرة، وأصبح السكان متعلمين أكثر باطراد.
إضافة إلى ذلك، يمنح نظام تأشيرة "ما بعد بريكست" الناس إحساسا بتحكمهم في الأمور، أخبرني فورد، "إذا سألتني في ربيع 2016 عن إطار سياسة الهجرة الأكثر انسجاما مع التفضيلات العامة، لكنت قد قلت شيئا مثل ما لدينا الآن. إطار متحرر جدا بشأن هجرة الطلاب، التي لا يهتم بها الناخبون على الإطلاق، وتحررية مستندة على القوانين في سوق العمل".
من ناحية أخرى، قد يتغير المزاج إذا تحولت الدورة الاقتصادية تحولا حادا. على صانعي السياسات الذين يرغبون في الحفاظ على الموافقة العامة التأكد من أنهم يفرضون قواعد متينة للأجور وظروف العمل، حتى لا يتم استغلال المهاجرين ولا يتعرض السكان المحليون لضرر في فترة انكماش، "أمر فشلت المملكة المتحدة فشلا ذريعا في ضمانه للعمال الزراعيين". سيحتاجون أيضا إلى التركيز على معروض المساكن وجودة الخدمات العامة.
حتى ذلك الحين، قد تكون هناك "ألغام أرضية غير منفجرة" تغير النقاش فجأة، كما يقول فورد. "إنها دائما المشكلة الأساسية مع الهجرة كونها قضية - المهاجرون هم بحكم التعريف غرباء، وإحدى أقوى رسائل الحملة في السياسة هي، الغرباء من يتحملون اللوم".

سمات

الأكثر قراءة