«سوبر ماريو بروز» .. الحنين إلى نمط التسلية القديم
شكلت الألعاب الإلكترونية نقلة نوعية في حياة الجيل الجديد، ومنذ بداية ظهورها من نحو عقدين تقريبا، نجحت في استقطاب فئات عمرية مختلفة، انجذب نحوها الكبير قبل الصغير، وأدخلتنا في حلقة التخلي عما كان رائجا في الماضي وابتكار تواصل جديد مع ألعاب الفيديو تحكمها شاشة ثابتة ومقود متحرك، تدخل لاعبها إلى عالم يتمحور حول محاربة قوى الخير لقوى الشر حينا، والبحث عن الكنز أو الربح المغري أحيانا كثيرة. ويمكن عد لعبة ماريو وسوبر ماريو باكورة هذه الألعاب التي فرضت نمطا جديدا من التسلية، اختاره جيل التسعينيات وما تبعه، يملأ به أوقات فراغه ويعيش تسلية مقيدة بجهاز متحكم به إلى حد كبير.
مع تطور عالم التكنولوجيا وبالسرعة التي شهدها العالم أخيرا، ورغم أن لعبة "ماريو" حديثة الظهور نسبيا إلا أن صناع السينما وجدوا فكرة نقلها من مجرد لعبة إلكترونية إلى عمل سينمائي يدغدغ الحنين في دخلنا لاستعادة تجربتنا مع أولى الألعاب التي أدخلتنا في هذا العالم المتطور، من خلال السينما، وتكون فكرة مربحة وتعود بالفائدة المطلوبة.
لكن على الرغم من أنه أحد أكبر الأفلام في 2023 حتى الآن، إلا أن العام لا يزال في بدايته، وسيواجه الفيلم كثيرا من المنافسة المقبلة مع سيل لعاب شركات الإنتاج على هذا النوع من الأعمال السينمائية لما تحققه من أرباح طائلة وإيرادات تفوق الخيال.
القصة وأبطال الصوت
تأخذنا هذه النوعية من الأفلام إلى التماهي مع الصورة الكرتونية التي ينقلها إلى حد بعيد، وفي كثير من الأحيان لا نبحث كثيرا عن الصوت الذي ينقل لنا تفاعلات هذه الشخصية وحركتها، وتنشئ هذه الحالة علاقة من نوع آخر مع النجوم الذين يمضون فترة التصوير داخل استوديوهات التسجيل، يتفاعلون بأصواتهم من دون أن يكون هناك أي تفاعل جسدي مع الشخصيات التي يجسدونها. نحب الصوت ونتفاعل مع الشخصية الكرتونية التي أمضينا وقتا في إكسابها أرباحا وهمية والانتقال بها من مرحلة إلى أخرى أكثر تعقيدا.
في إطار من المغامرات والخيال، يسافر سباك متواضع من بروكلين يدعى ماريو عبر متاهة تحت الأرض برفقة شقيقه لويجي، حيث يتم نقلهما بطريق الخطأ إلى مملكة الفطر السحرية، وسرعان ما يخوض الثنائي عديدا من المغامرات معا على أمل إنقاذ أميرة ومساعدتها على محاربة بوزر السلحفاة الشريرة.
أغنية مرشحة للأوسكار
تشكل الموسيقى العامل الأبرز في أي عمل سينمائي، وفي الأغلب ما يتم التحضير لها مسبقا حتى قبل اختيار الأبطال، خاصة في أفلام الرسوم المتحركة تعد الموسيقى البطل الأساس المحرك لنجاح العمل أو فشله، خاصة أنها اللغة التي تربط المشاهد بالعمل بعد غياب عنصر الجذب الإنساني، وفي فيلم "سوبر ماريو" نجحت الموسيقى في احتلال المراكز الأولى ورشحت أغنية الفيلم "بيتشز" لنيل جائزة الأوسكار كأفضل أغنية أصلية لهذا العام بعد أن لاقت تفاعلا كبيرا بين الجماهير ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، وقد انتشر على مواقع تويتر وإنستجرام وتيك توك وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع عن الأغنية التي تلخص فكرة الفيلم الأساسية، وهي أن الحب حقا يجعل السلحفاة تخرج من قوقعتها، بمعنى أن الحب قادر على صناعة المعجزات وتحدي المستحيل.
أصبحت الأغنية التي غناها وشارك في تأليفها جاك بلاك، الأغنية الرومانسية الأكثر رواجا، ودخلت قوائم المنافسة العالمية، وحصدت الموقع 83 على قائمة البلاك جاك، ما يجعلها أول أغنية في مسيرة بلاك الفردية التي تدخل هذه القائمة.
إبداع الرسومات
تضع الرسومات النابضة بالحياة في الفيلم معيارا مرتفعا جدا أمام الأفلام الأخرى الكرتونية المقتبسة من ألعاب الفيديو التي ستتبعه بكل تأكيد، سواء كانت Nintendo أو استوديو آخر. سواء كان مشهد حصار باوزر لمملكة البطريق حيث يتواجه النار والجليد، أو المناظر الساحرة والشاسعة الفطرية لمملكة الفطر، أو المساحات الخضراء الخصبة لمملكة الأدغال الخاصة بكونغ، فهي جميعها مشاهد حالمة مشبعة بالألوان تجتمع في عالم صاخب يغري باستكشافه بشكل أكبر.
أداء تمثيلي مميز
يقدم الممثلون أداء حماسيا يضفي الحياة على الشخصيات، ولا توجد حلقة ضعيفة بينهم. على الرغم من أن كريس برات وتشارلي دي بدوري الأخوين ماريو لن يحصلا على أي ثناء من أهل بروكلين على لهجتهما النيويوركية، إلا أن كلا منهما يجسد بطولة وشجاعة شخصيته ببراعة. هناك بالتأكيد بعض التقليل للسمات الكرتونية التي تمتاز بها أصوات الشخصيتين الرئيستين بالألعاب، وهو أمر يتناوله الفيلم على الفور، لكن اتخاذ قرار جعل الحوارات أقرب إلى الواقعية بأداء طبيعي أكثر يتوازن بشكل ممتاز مع الأجواء الخيالية لمملكة الفطر. والأكثر من ذلك هو أنه لا يزال يترك مجالا للشخصيات الثانوية مثل تود (كيغان مايكل كي) وكاميك (كيفن مايكل ريتشاردسون) وكرانكي كونغ (فريد آرميسن) ليكونوا أكثر غرابة أطوار لإعطاء طاقم الشخصيات نطاقا أكبر. وعلى الرغم من أن شخصية لومالي (جولييت جيلينك التي هي ابنة المخرج مايكل) تقدم نكتة واحدة وليس لها أي تأثير في الحبكة، إلا أن طريقتها المرحة تجعلنا نضحك في كل مرة بفضل الحماس الرائع الذي يميز صوت الممثلة الصغيرة، والذي ينبض بالحياة وراء كل ملاحظة سوداوية تقولها وهي مسجونة مع لويجي.
إيرادات تتجاوز مليار دولار
وفيما يعود للإيرادات تصدر فيلم "ذا سوبر ماريو بروز" شباك التذاكر في نهاية الأسبوع الرابعة على التوالي في دور العرض الأمريكية والكندية محققا 40 مليون دولار، بينما تجاوزت إيراداته العالمية مليار دولار، وفقا لتقديرات شركات التوزيع ما يجعله فيلم الرسوم المتحركة العاشر الذي يصل إلى هذا الإنجاز والأول منذ 2019.
إضافة إلى الأرباح المالية التي فاقت الخيال والتوقعات، نجح فيلم سوبر ماريو في تحقيق أكبر افتتاحية على الإطلاق بتاريخ الأفلام الكرتونية. ونجح في الهيمنة على شباك التذاكر العالمي منذ بداية عرضه، ففي أمريكا وحدها حقق ما يقدر بـ137 مليون دولار خلال عرضه في عطلة نهاية الأسبوع، بينما بلغ إجمالي عطلة نهاية الأسبوع على الصعيد الدولي ما يزيد على 173 مليون دولار، ليصبح صاحب أكبر افتتاحية عالمية لفيلم رسوم متحركة على الإطلاق، كما حقق أكبر افتتاحية عالمية لـ2023 بعد كسر الرقم القياسي البالغ 225.3 مليون دولار.
لا شك أن اللجوء إلى هذه النوعية من الأفلام يفسح المجال أمام عشاق الفن السابع من الاستمتاع بما يعرض عليهم من دون أن يحملوا أي عبء أو ضغوط إضافية، فرصة تخولهم السفر برحلة عبر الرسوم المتحركة يكتشفون خلالها متعة يعيشها أبناء هذا الجيل من دون أن يكون لديهم إلمام واسع بهذه الألعاب وكيفية تحريكها.