مزارعو سريلانكا يتعلمون من فشل الزراعة العضوية
عندما حظر الرئيس السابق جوتابايا راجاباكسا، فجأة واردات الأسمدة الكيماوية منتصف 2021، حول سريلانكا إلى دراسة حالة لكيفية عدم تطبيق الزراعة العضوية.
أثارت القيود -التي فاجأت المسؤولين الزراعيين والمزارعين- فوضى في القطاع الزراعي. أدى الافتقار إلى البدائل إلى انخفاض حاد في الإنتاج، وتراجع محصول الأرز والمحاصيل الأخرى. وهذا بدوره أوقد أزمة اقتصادية حادة، بلغت أوجها في تخلف البلاد عن سداد ديون خارجية حجمها 40 مليار دولار العام الماضي. الآن تعتمد الجزيرة التي كانت خصبة ذات يوم على المنح الغذائية والواردات لإطعام أهلها.
ومع أن راجاباكسا ألغى الحظر بعد نحو ستة أشهر، لم تعد إمدادات الأسمدة في سريلانكا إلى طبيعتها قط. رفعت الحرب الروسية - الأوكرانية في 2022 الأسعار على مستوى العالم، في حين أدى نقص العملات الأجنبية في سريلانكا إلى نقص حاد وتقنين للأسمدة المستوردة. ارتفع سعر كيس اليوريا الذي كان يكلف 1500 روبية "4.65 دولار" إلى 40 ألف روبية قبل أن ينخفض إلى سعر مدعوم يبلغ عشرة آلاف روبية "124 دولارا"، حسب أهيلان كاديرجامار، عالم الاجتماع في جامعة جافنا.
وفقا لمسؤولين زراعيين وخبراء في سريلانكا، حتى لو لم ينو عديد من المزارعين الاعتماد على "الزراعة العضوية" مرة أخرى، فإن انقطاع إمدادات الأسمدة الكيماوية سلط الضوء على أهمية إيجاد بدائل للمساعدة على عزلهم عن الصدمات المستقبلية. ويجري الآن تنفيذ عدد من المبادرات الصغيرة والمشاريع التجريبية لاستكشاف تلك البدائل في جميع أنحاء سريلانكا.
يقول كاديرجامار، وهو أيضا رئيس اتحاد تعاوني ريفي "ما يفعله المزارعون على جبهة الأسمدة هو أنهم يجرون التجارب. يحاولون استخدام كميات أقل من الأسمدة، أو مزيج من السماد العضوي والأسمدة الكيماوية، لكن لا يوجد اتجاه حاسم فيما يتعلق بكيفية المضي قدما".
بعض هذه المخططات يسبق حظر الأسمدة من قبل راجاباكسا. يقول كاديرجامار "إن أربع تعاونيات شمالي سريلانكا بدأت في تشغيل مصانع صغيرة للسماد العضوي منذ 2018، باستخدام مكونات مثل الأوراق المجففة وروث البقر لإنتاج الأسمدة الطبيعية".
لم تكن الفكرة أبدا استبدال الأسمدة الكيماوية، بل تقليل الاعتماد عليها، كما يقول كاديرجامار. بيد أنه يضيف أن "بدائل الطلب تتجه نحو الارتفاع حيث يحاول المزارعون تعويض التكلفة العالية للأسمدة، وتفكر بعض التعاونيات في إنتاج مزيد من السماد العضوي". ويضيف "من وجهة نظر المزارعين، الأمر يتعلق فقط بالنجاة".
أثناء حملته الانتخابية ليصبح رئيسا في 2019، انتقد راجاباكسا مخاطر الأسمدة الكيماوية على صحة الإنسان والبيئة. لكن قليلين توقعوا حظر الاستيراد الذي يقول بعض النقاد "إنه لم يكن مدفوعا بمخاوف بيئية، بل بمحاولة غير حكيمة لوقف انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي".
إذا كان هذا هو الهدف، فقد فشل. أجج إفلاس البلاد الاحتجاجات الجماهيرية التي أجبرت راجاباكسا على التنحي في تموز (يوليو) العام الماضي. جذبت الاضطرابات اهتماما عالميا، وأصبح ينظر إليها في بعض الأوساط على أنها قصة تحذيرية حول مخاطر إعادة النظر في الزراعة. وصف تاكر كارلسون، الذي كان آنذاك مضيفا على قناة فوكس نيوز في الولايات المتحدة، سريلانكا بأنها "ضحية للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة".
جي إم سوراسينا، الذي نشأ في أسرة زراعية وهو الآن رئيس الجمعية التعاونية لمحترفي الزراعة والبيئة في البلاد، يقر بأن خطوة راجاباكسا أضرت بدعاة أساليب الزراعة المستدامة، مثله.
يقول عن الحكومة "لم يكن لديهم أي خطة محكمة، ولم يكن لديهم أي بنية تحتية"، مضيفا أن "المسؤولين ما زالوا لا يعرفون كيفية تطبيق الزراعة العضوية".
تقول شاميلا راثناصوريا، منسقة في الحركة الوطنية للإصلاح الزراعي والأراضي "مونلار"، وهي منظمة ريفية غير ربحية، بعد الحظر "لم يكن المزارعون يعرفون أسلوب الزراعة العضوية وكانوا يشهدون انخفاضا في الغلة. وبسبب هذه التجربة، لا يؤمن المزارعون الآن بالزراعة العضوية".
تحاول منظمة مونلار تغيير ذلك، وتعمل مع نحو ألفي مزارع في جميع أنحاء البلاد لتعليمهم أساليب زراعة بديلة.
توزع المنظمة البذور لمحاصيل مثل سواندل، نوع بلدي من الأرز، والخضراوات التي يقول راثناصوريا إنها ملائمة تماما لمناخ البلاد. ثم تدرب المزارعين على أساليب الزراعة العضوية مثل تحضير جيفامروثام، وهو سماد مصنوع من روث البقر وبول البقر والسكر والدقيق يستخدم في الهند المجاورة.
يقول راثناسوريا "إن (مونلار) تشجع المشاركين على البدء في اختبار التقنيات على نصف فدان من أراضيهم، وتوسيعها إذا رأوا نتائج جيدة. إذا نجحوا، فسيستمتعون بقدر مماثل من الحصاد، وسيرون تكاثر التنوع الميكروبي وتحسنه".
لكن في النهاية، تظل هذه الجهود صغيرة النطاق. يلاحظ كاديرجامار عدم وجود مؤشرات تذكر على أن الشركات الزراعية الصناعية في سريلانكا ماضية في هذا الطريق، حتى لو أظهر الحظر أيضا "أن عليها توخي الحذر أكثر في استخدام الأسمدة".
في كلتا الحالتين، يقول سوراسينا "إن مستقبل الأسمدة في سريلانكا لن يرتبط بالاستدامة، بل بالسياسة". مع وجود ما يقارب ثلث القوى العاملة في البلاد تعمل في الزراعة، فإن دعم الأسمدة الكيماوية عامل مساهم مفيد للفوز بالأصوات. "إنها ليست اقتصادية، بل سياسية".