باريس تنفض عنها لقب المدينة الخاملة مع توسع البنوك فيها
ربما كان الحصول على وظيفة في مجال التمويل في أحد بنوك وول ستريت في باريس يعد تعزية لكل من فشل في العثور على وظيفة في نيويورك أو لندن أو هونج كونج.
لكن سافيريو ميتشينزي - رويدر لا يوافق على ذلك، وهو متدرب في المبيعات والتجارة في مكاتب سيتي جروب في الدائرة الثامنة الراقية في العاصمة الفرنسية.
قال خريج الإدارة البالغ من العمر 22 عاما عن برنامج البنك الذي تم تأسيسه أخيرا في المدينة: "لقد انتبه الناس أن باريس ليست خاملة"، مضيفا أن بعض زملائه في سيتي جروب يسعون الآن للانتقال إليها.
في حين أن هذه الشهادة ستبهج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي دعم طموحات المدينة من أجل ترسيخ مكانتها بوصفها أكبر مركز مالي في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن هناك مزيدا من الأدلة الملموسة التي تشير إلى أن جاذبية باريس آخذة في الازدياد.
بعد سبعة أعوام منذ أطلق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي العنان لمعركة من أجل الحصول على حصة من أعمال المبيعات والتداول التي اضطرت البنوك إلى تحويلها إلى القارة لخدمة العملاء الأوروبيين، برزت باريس بوصفها الفائز من حيث الوظائف.
قال تييري سانسييه، أحد الرؤساء المشاركين في مكتب جولدمان ساكس المجاور لقوس النصر: "يعتقد المبتدئون الذين ينضمون إلينا اليوم أنهم يمكن أن يبدأوا في باريس ويبنوا مسيرة مهنية فيها. في التسعينيات، كان الرد على ذلك نتمنى لك التوفيق لكم".
يقول مصرفيون إن الحانات والمدارس الدولية والقدرة على العيش قريبا من مقارهم في وسط المدينة تزيد من جاذبية المدينة.
فيما قال فرديناند بترا، الأستاذ المشارك في التمويل في كلية إتش إي سي باريس للأعمال، إن باريس كانت تستفيد من تأثير "الفائز يظفر بكل شيء". "بمجرد أن تبدأ في جذب بعض الأشخاص، يميل الآخرون إلى التفكير أنه ربما علينا الذهاب إلى هناك أيضا".
أشار بترا أنه رغم الأشواط التي قطعتها المدينة، إلا أنه لا يزال أمامها طريق طويلة لمجابهة المراكز المالية العالمية القائمة. "من الصعب أن نرى لندن تبهت وتحل باريس مكانها"، كما أضاف.
لكن باريس تتمتع في الوقت الحالي بالزخم. بعد نقل ما مجموعه 1600 موظف على الأقل إلى المدينة، من المقرر أن توسع أكبر بنوك وول ستريت فرقها هناك بما لا يقل عن 420 شخصا إضافيا على مدار العامين المقبلين، وفقا لحصيلة الخطط في كل من جولدمان ساكس وجيه بي مورجان ومورجان ستانلي وبنك أوف أمريكا.
اختارت البنوك باريس مركزا تجاريا رئيسا لها في الاتحاد الأوروبي بسبب مجموعة من المبادرات الصديقة للشركات والإعفاءات الضريبية عندما تم انتخاب ماكرون في 2017، وخطوط قطار سريعة إلى لندن وأسلوب حياة في عاصمة كبرى لم تستطع مدن مثل فرانكفورت توفيرها.
في حين أن انتقال الوظائف المالية من لندن إلى الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يكن بمعدلات الهجرة التي توقعها بعض، حيث تم نقل ما يقارب سبعة آلاف وظيفة بحسب تقديرات شركة إي واي. استقطبت باريس 2800 وظيفة، متفوقة بها على 1800 وظيفة لفرانكفورت و1200 أخرى لدبلن، وفقا للشركة الاستشارية.
باستخدام مجموعة من المعايير التي تؤخذ في الحسبان في وظائف في مجال التكنولوجيا المالية والمجال التنظيمي والتأمين، أضافت العاصمة الفرنسية ما يزيد قليلا على 5500 وظيفة في المجال المالي نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفقا لتقديرات من مجموعة تشوز باريس ريجن، وهي مجموعة ضغط مدعومة من الحكومة.
شجعت تحركات بعض البنوك غيرها، من بنك إتش إس بي سي وباركليز إلى المقرضين الأمريكيين مثل ويلس فارجو وبنك أوف نيويورك ميلون، تحولت باريس إلى نقطة يهبط فيها كبار المصرفيين الاستثماريين. كما أسس بنك أستراليا الوطني عملياته هناك العام الماضي.
قال ليونيل جروتو من مجموعة تشوز باريس ريجن إن باريس تتنافس أيضا على أن تصبح قاعدة لسلطة جديدة لمكافحة غسل الأموال خططت لها المفوضية الأوروبية التي يمكن أن توجد ما يصل إلى 450 وظيفة.
يجري المستثمرون، بمن فيهم صناديق الثروة السيادية مثل تيماسيك في سنغافورة، عمليات توظيف هناك ويؤسسون مقار لهم فيها أيضا. ضاعفت شركة ميلينيوم مانيجمنت عدد موظفيها في باريس العام الماضي إلى نحو 50 موظفا.
قال جيمس ديمير، رئيس الأسواق العالمية في بنك أوف أمريكا، في زيارة للمدينة قام بها أخيرا: "من المهم أن الآخرين أيضا اتخذوا قرار اختيار باريس. أنت تريد أن تكون هناك مجموعة قوية من المواهب. وهو ما يريح الناس أكثر ويعطيهم خيارات أكثر".
كان بنك أوف أمريكا أول بنك رئيس في وول ستريت يفكر في نقل مئات الأشخاص من لندن إلى باريس في 2017. قال ديمير: إن القوة العاملة للبنك قد تتجاوز الـ600 الموجودة لديها الآن.
إن باريس التي تشتهر بجامعات النخبة في الهندسة والرياضيات، زودت صفوف البنوك الدولية بالموظفين الشباب لعقود، وإن كان ذلك إلى حد كبير إما في لندن أو داخل الشركات المحلية الكبيرة مثل بنك بي إن بي باريباس وسوسيتيه جنرال. تستهدف مزيدا من البنوك الآن جامعات باريس من أجل عمليات التوظيف المحلية.
اختار بنك مورجان ستانلي باريس لمركز أبحاث لدعم فريق التداول لديه، الذي يتكون من محللين كميين مختصين. قال إيمانويل جولدشتاين، رئيس مورجان ستانلي في فرنسا، إن البنك يهدف إلى توسعة فريقه لنحو 100 شخص هذا العام، أي ضعف ما نصت عليه الخطة الأصلية، بعد أن أعجب المديرون التنفيذيون في نيويورك بالتعيينات الأخيرة.
لكن التحديات التي تواجه باريس لا تزال جلية.
لا تزال لندن، المنخرطة في نزال دائم مع نيويورك لتكون هي أكبر مركز مالي في العالم، تفتخر بأكثر من 430 ألف وظيفة مرتبطة بالخدمات المالية، وفقا لهيئة ذا سيتي يو كيه. بينما قدرت مجموعة تشوز باريس ريجن رصيد باريس بـ340 ألف وظيفة.
حتى مع هجرة الوظائف، ظلت حصة لندن المهيمنة من إيرادات عموم أوروبا في المجالات الرئيسة بما فيها عمليات الدمج والاستحواذ وإقراض الشركات الكبيرة، كما هي إلى حد كبير منذ 2016، وفقا للبيانات من شركة ديلوجيك.
في الوقت نفسه، ما زالت البنوك الأجنبية ترفض نقل مزيد من موظفي المكاتب الخلفية ومراكز البيانات إلى فرنسا وأماكن أخرى في الاتحاد الأوروبي بشكل رئيس بسبب التكاليف وكذلك لمصلحة ميزة الإبقاء على مركزية هذه الوظائف، بما في ذلك في المملكة المتحدة.
قال أحد كبار المديرين في بنك دولي: "لن نحضرهم بصورة استباقية. توجد حاليا في باريس المهام والوظائف الأساسية".
كثير من عمليات نقل الموظفين بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أجريت بعد ضغوط من البنك المركزي الأوروبي والمشرفين الماليين المحليين، الذين طلبوا بعد سريان بريكست في بداية 2021 من البنوك إنهاء الترتيبات المؤقتة التي كانت قد اتخذتها سابقا. كما يريد المنظمون أن تتم إدارة المخاطر من فرق في الموقع، حيث يتم تسجيل المعاملات التجارية.
في حين أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي شجع الحكومة الفرنسية على التفكير بشكل أكبر في مستقبل باريس بوصفها عاصمة مالية، فإن سياسات البلاد قد تلقي بظلالها على تلك الطموحات.
منذ إصلاح قانون العمل في عامه الأول في المنصب الذي سهل تعيين الموظفين وفصلهم من العمل في فرنسا، سعى ماكرون إلى عرض اعتماداته التي تؤيد الشركات.
كان الرئيس الفرنسي، وهو مصرفي استثماري سابق في بنك روثتشايلد، يتقرب من المؤثرين في وول ستريت، بما في ذلك لاري فينك الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك في قصر الإليزيه وجيمي ديمون رئيس جيه بي مورجان في مؤتمرات تم عقدها في قصر فرساي.
لكن الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027 التي لا يستطيع ماكرون الترشح لها مرة أخرى لكن مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف في البلاد يمكن أن تحاول خوضها مرة أخرى، لا تزال مصدرا لعدم الاستقرار المحتمل.
في الوقت الحالي، تكافح بعض البنوك مع مزيد من المشكلات العادية مع توسعها في العاصمة الفرنسية. قال كيريل كوربوا، الذي يرأس جيه بي مورجان فرانس، إن خطط زيادة عدد موظفي البنك من 800 إلى ألف موظف تضع ضغوطا على مساحتها المكتبية، علاوة على ذلك، يأتي إليه عدد متزايد من المديرين التنفيذيين من أماكن أخرى في البنك.
يبحث جيه بي مورجان، الذي اشترى مكتبا ثانيا يتألف من سبعة طوابق في 2020، عن مساحة أكبر بالقرب من قاعدته المركزية في بلاس فاندوم.
قال كوربوا: "نظرا لأننا أصبحنا المركز التجاري للاتحاد الأوروبي، يأتينا عدد هائل من الزوار يوميا، من المملكة المتحدة ومن نيويورك، ما يصل إلى 50 أو 70 شخصا في اليوم. لقد بدأنا لا نجد متسعا لهم، إنها مشكلة حقيقية".