مهرجان أفلام السعودية .. قارة سينمائية مكتملة الجمال
"الموت سهل لكن الكوميديا صعبة".. هذا القول الشهير ينطبق على الأفلام الكوميدية، التي تسعى إلى انتزاع ضحكة صعبة من جمهور يصعب إرضاؤه.
ولعل هذه الصعوبة هي التي أسست لمحور سينما الكوميديا، ثيمة الدورة التاسعة من مهرجان أفلام السعودية، الذي يختتم فعالياته اليوم، مسدلا الستار على ثمانية أيام من الدهشة، والجمال، والتطور الذي صاحب الأفلام المتقدمة والمعروضة فيها.
حراك سينمائي
يقام مهرجان أفلام السعودية في ظل انفتاح وحراك سينمائي محموم تشهده السينما السعودية هذه الأيام، وينسجم مع رؤية المملكة والاستراتيجية الوطنية للثقافة، إذ يستهدف المهرجان دعم وتشجيع صناع الأفلام المحليين في المملكة، واكتشاف أصوات ورؤى سينمائية جديدة، تطوير قدرات المساهمين في صناعة الأفلام، فضلا عن إثراء المحتوى المعرفي والثقافي في السينما، وإيجاد مناخ للتواصل الفاعل بين المواهب السينمائية.
المهرجان، الذي تنظمه جمعية السينما بالشراكة مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء"، وبدعم من هيئة الأفلام، شهد في أول أيامه إبرام مذكرة تفاهم بين "إثراء" وجمعية السينما، تتضمن إنشاء برامج ومبادرات تتطلع إلى تطوير قطاع الأفلام في السعودية، علاوة على تكريم جوائز رواد السينما السعودية والخليجية من خلال مهرجان أفلام السعودية الذي يقام سنويا، وتمكين صناع المحتوى وإتاحة الفرصة لصقل مهارات الموهوبين.
ويقدم المهرجان 20 جائزة لمسابقات الأفلام، وست جوائز لمسابقة السيناريو غير المنفذ، وست منح لمشاريع سوق الإنتاج، حيث تنافست المشاركات المرشحة في خمس مسابقات على جوائز الأفلام الطويلة، الأفلام القصيرة، الأفلام الوثائقية، السيناريو غير المنفذ، منح مشاريع سوق الإنتاج، إضافة إلى جائزة خاصة بالفيلم الخليجي.
وبعيدا عن جوائزه التي يمنحها للمبدعين ولنخبة الأفلام بأنواعها، استعرض المهرجان 78 فيلما، ضمن 48 مجموعة عرض وأربع مجموعات مخصصة للأطفال، إضافة إلى إتاحة مشاهدة ثمانية أفلام عبر أجهزة الواقع الافتراضي، واستعد للمتخصصين بحزمة من الكتب السينمائية، بلغت 17 كتابا بين مؤلف ومترجم، بهدف رفد المكتبة السعودية والعربية بالكتب المتخصصة في عالم الفن السابع، التي يعدها عدد كبير من الباحثين والمتخصصين والهواة، قليلة، بل ربما نادرة ومكلفة.
ثيمة سينما الكوميديا
الشاعر، مؤسس ومدير مهرجان أفلام السعودية أحمد الملا تحدث لـ"الاقتصادية" أثناء تحضيراته للمهرجان عن اختيار محور سينما الكوميديا عنوانا لدورة هذا العام، وبين أن المهرجان منذ دورته السابعة بدأ يضع مسألة أن يكون محورا أو ثيمة يتم التركيز عليها في الدورة، من حيث الكتب أو اختيارات الأفلام والندوات والحديث حولها، فاخترنا محور "سينما الصحراء" للدورة السابعة، بعد أن انتبهنا للمكون الأصيل في المملكة وهي الصحراء، في الوقت الذي كان فيه أغلبية صناع السينما من المدن، وبالتالي مأخوذين بالسينما العالمية التي لا تعد فيه الصحراء جزءا منها ومن تأثيرها، وغير منتبهين لما هو موجود بين أيديهم، وضمنا ذلك في الكتب والأفلام والندوات، حتى جاءنا لاحقا 12 فيلما عن الصحراء.
ثم جاء محور السينما الشعرية في الدورة الثامنة، وفي التاسعة اخترنا سينما الكوميديا، في اختيار يستند إلى قرار الفريق الإداري للمهرجان، والذين يضعون على طاولة النقاش عددا من المحاور والثيمات، ويناقشونها معا، ونرى ما هو المهم في هذه اللحظة الراهنة ولا يؤجل لما بعدها، مبينا أن هناك أربعة محاور مطروحة للعام المقبل، ونعمل على اختيار إحداها كثيمة جوهرية للدورة العاشرة.
"في سينما الكوميديا نناقش أنواع الكوميديا في أفلامنا، هل هي سينما الموقف أم اللايت كوميدي أو الكوميديا الارتجالية وغيرها، وهل هناك تأثير من المسرح، وأداء العاملين فيه والنصوص وغيرها، نفتح هذا الفضاء للحوار بين السينمائيين والمتخصصين"، على حد تعبير الملا.
لا رقابة
هل هناك رقابة على الأفلام المعروضة في مهرجان أفلام السعودية؟ يجيب الملا بأن عملية اختيار الفيلم تخضع لمجموعة من الاعتبارات وعدد من المراحل، بدءا من التسجيل الأولي المتاح للجميع، ثم تعرض على لجنتين، الأولى للفرز وتعنى باختيار الأفلام التي تنطبق عليها الشروط القانونية والفنية، ثم لجنة تعنى باختيار الحصة المناسبة للمهرجان لعرضها، ما يعني أن هناك أفلاما تقصى في المراحل الأولى، لا تستطيع أن تنافس فنيا.
وأضاف أحمد الملا "هناك أفلام تشارك في مسابقات المهرجان، تدخل في القائمة القصيرة لكل مسار من مسارات المهرجان، وقائمة طويلة تدخل للعرض الموازي، مشيرا إلى أنه لا توجد محظورات في الأفلام لدى مهرجان أفلام السعودية، وإنما يتطلب منها أن تلبي اشتراطات ومعايير هيئة الإعلام المرئي والمسموع".
وأردف في حديثه أن اختيار الشخصيات المكرمة كذلك يتم بطريقة مشابهة من قبل فريق المهرجان، من حيث اختيار شخصيتين سعودية وخليجية، ونعمل وفق قاعدة "من هو الأولى بالتكريم"، بدءا من المخرج عبدالله المحيسن في الدورة الأولى 2008، ووصولا إلى الدورة الأخيرة، التي نكرم فيها المنتج السعودي صالح الفوزان، والكاتب السينمائي البحريني أمين صالح.
افتتاح هو الأول من نوعه
في حدث جديد تشهده مهرجانات السينما هو الأول من نوعه، افتتح مهرجان أفلام السعودية أيامه بعرض فيلم رسوم متحركة "أنيمشن"، وهو فيلم "سليق" للكاتبة والمخرجة أفنان باويان، ومدته نحو تسع دقائق.
تحكي باويان لـ"الاقتصادية" أن فيلمها يدور حول السيدة هاجر، التي تطبخ السليق لأحفادها الذين تنتظرهم ولا يأتون، لتأتي المصادفة بطائر يدخل إلى المطبخ، ويسقط الأرز في قدر السليق، مسببا كارثة، حيث يأخذ السليق بالتمدد ومضاعفة حجمه شيئا فشيئا حتى يخرج من المطبخ ويملأ البيت كله، الأمر الذي يلفت الجيران، وتحديدا أم وطفلتها، لا يتحدثون اللغة العربية، فيتعاملون مع الموقف معا، بنوع من التعاون والمحبة والألفة.
وكشفت أن سبب اختيارها "السليق"، الطبق السعودي المصنوع من الرز والحليب، لأنه وصفة يحبها الصغار والكبار، كما أن القصة تدور في منطقة البلد التاريخية في جدة، وهي أكلة مناسبة لحبكة القصة والثقافة الموجودة، ويسهل حفظ اسمها، وتتابع أفنان في حديثها بأن أساس القصة هو عن أم كبيرة في السن، عنيدة ولا تهوى كل ما هو جديد، فيما يقع حاجز اللغة بينها وبين جيرانها، ليبرز الأكل كلغة تواصل عالمية.
قصص جديدة
في كل مرة، تتناول الأفلام التي يعرضها المهرجان قصصا جديدة يصافح فيها زواره، ومن أهم الأفلام التي شهدتها الدورة التاسعة الفيلم الوثائقي "قصة ملك الصحافة" عن حياة الراحل تركي السديري، من إخراج حسن سعيد، وكاتب المحاور علي سعيد، وكذلك فيلم "شارع 105" الذي يصنف عسكريا، إثارة ودراما، من إخراج عبدالرحمن الجندل، ويتناول حياة شرطيين سعوديين يمارسان روتين عملهما اليومي، إلى أن يتعرضا لهجمة إرهابية مفاجئة في الرياض، ويجدان أنفسهما يقاتلان من أجل حياتهما وسلامة من حولهما.
ومن الأفلام التي حازت اهتمام الجمهور، فيلم "طريق الوادي" من إنتاج مركز "إثراء"، ويسرد حكاية خيالية ممزوجة بالواقع من عمق التراث السعودي، وفيلم "شدة ممتدة" للمخرج سلطان ربيع، وبطولة الفنان الشاب أيمن مطهر، وكذلك فيلم "عبد" للمخرج منصور أسد، من بطولة زياد العمري ومحمد علي وخيرية أبو لبن، ويدور حول مخرج صنع فيلما مع زوجته أثار غضب المجتمع، ثم يجد الفرصة للسفر عبر الزمن، لتعديل أخطائه ولكن تخرج الأمور عن السيطرة.
لا صناعة حقيقية إلى الآن
صاحب مهرجان الأفلام، تنظيم الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي في مدينة الظهران تحت شعار "السينما الوطنية"، وفيه تحدثت الكاتبة والمخرجة السعودية هناء العمير بكل صراحة، حينما كشفت عن رأيها بأنه لا توجد صناعة سينما حقيقية خليجية حتى الآن، إذ لا تزال السينما الخليجية في بداياتها.
ولفتت العمير، التي تتولى رئاسة جمعية السينما، إلى أن هناك أفلام سعودية بإنتاج أو إخراج أجنبي، وكذلك شخصيات سعودية في أفلام أجنبية، ولا بد من عدم التركيز على وجود عدد كبير من السعوديين في عمل واحد، وإنما وجود عدد كبير من السعوديين في أعمال كثيرة.
فيما أكد الناقد السينمائي العراقي عرفان رشيد لـ"الاقتصادية" على هامش الملتقى أن ميزانية الترويج لفيلم أمريكي يمكن من خلالها إنتاج فيلم أوروبي، مدللا على أهمية التسويق للأفلام، والذي تفتقر إلى صناعة السينما المحلية، مشيرا إلى أن التراكم الكمي يؤدي إلى تغيير نوعي، والتراكم الحالي في السعودية يبشر برؤى مستقبلية جميلة، موضحا أن كل فيلم ينتج ما هو إلا دورة تدريبية، في صناعة تحتاج إلى وقت.
أما المخرج والمنتج البحريني بسام الذوادي، فلفت إلى أن أكبر دولة من حيث عدد الأفلام المنتجة سنويا هي الهند، يليها النرويج التي تنتج 2500 فيلم في العام، وأشار إلى أن تدريب الكوادر وتنظيم ورش العمل وعقد الدورات لا يكفي دون صناعة أفلام، ورغم صعوبتها يرى الذوادي أنها صناعة لا بد أن تستمر، لأن التوقف عن إنتاج الأفلام أمر كارثي.