هل تستطيع «فولكسفاجن» أن تحظى بالصين مرة أخرى؟
في 1978، سافر وفد صيني يرتدي سترات ماو الرسمية إلى فولفسبورج حاملا رسالة مذهلة إلى الرجال الذين يديرون شركة فولكسفاجن: "الصين في ظل إدارة دينج شياو بينج منفتحة للعمل".
والآن، بعد أربعة عقود من بناء أكبر سوق للسيارات في العالم من الصفر والاستفادة من صعود قوة اقتصادية عظمى، وجدت شركة صناعة السيارات نفسها فجأة تقاتل من أجل مركزها في الصين.
بينما تبيع المجموعة الألمانية مترامية الأطراف -التي تضم اليوم "بورش" و"أودي"- سيارات في الصين أكثر من أي شركة أخرى، فقد أطيح بعلامتها التجارية الرائدة فولكسفاجن أخيرا باعتبارها السيارة الأكثر مبيعا في البلد من قبل "بي واي دي"، المجموعة التي تتخذ من شنجيان مقرا لها بدعم من وارن بافيت.
تعد الشركة الألمانية متأخرة في قطاع السيارات الكهربائية سريع النمو، حيث تحتل علامة فولكسفاجن المرتبة التاسعة بحصة سوقية لا تتجاوز 2 في المائة. بينما لدى شركة بي واي دي، التي تحتل المرتبة الأولى، نحو 40 في المائة ولدى شركة تسلا لصاحبها إيلون ماسك، في المرتبة الثانية، أكثر من 10 في المائة.
تهيمن الشركات الصينية المصنعة للسيارات الكهربائية، التي تتضمن السيارات الهجينة التي تعمل بالكهرباء والبطارية، في سوقها وتتوسع بقوة في الخارج. تفوقت الصين على ألمانيا في صادرات السيارات في 2022 ومن المقرر أن تتفوق على اليابان باعتبارها أكبر مصدر للسيارات في العالم هذا العام.
تعتمد شركة فولكسفاجن، إحدى أكبر الشركات الألمانية وأكثرها شهرة، على الصين فيما لا يقل عن نصف أرباحها السنوية، التي بلغت العام الماضي 22 مليار يورو. إن موقعها في السباق للحصول على حصة سوقية في مجال المركبات الكهربائية يضع الأمن المستقبلي لتلك الأرباح في خطر.
رغم هذه الخلفية، فإن المديرين التنفيذيين لشركة فولكسفاجن ما زالوا لا يقدرون التهديد الذي يواجهونه في الصين، على حد قول مستشار المجموعة الألمانية في شنغهاي.
ويضيف "كثير من الناس في شركة فولكسفاجن عملوا هناك طوال حياتهم، لا أعتقد أنه يمكنهم تخيل زوال شركة فولكسفاجن. هذا في الواقع ما هو على المحك في الوقت الراهن".
قالت شركة فولكسفاجن "إن الربحية تهم الشركة أكثر من الحجم". أضافت "جودة العمل لها الأسبقية على الكمية".
سجلت الشركة الأسبوع الماضي مبيعات أفضل من المتوقع للربع الأول، مدعومة بأوروبا وأمريكا الشمالية. لكن في الصين، تراجعت عمليات التسليم 15 في المائة. قالت شركة فولكسفاجن "إنها واثقة بأن نطاق طرازها الجديد والتكنولوجيا الخاصة بالصين سيساعدان على زيادة المبيعات في الجزء الأخير من العام".
لكن العوامل الجيوسياسية تزيد من تعقيد آفاق الشركة. إذ إن ألمانيا، التي اضطرت إلى التعامل مع اعتمادها على الغاز الروسي في أعقاب الحرب الروسية - الأوكرانية، تشعر بالقلق من اعتمادها الاقتصادي على الصين في عهد الرئيس شي جين بينج.
قالت أنالينا بربوك وزيرة الخارجية الألمانية، بعد زيارة قصيرة لبكين في نيسان (أبريل)، "إن الصين أصبحت منافسا منهجيا".
في الوقت نفسه، تخاطر شركة فولكسفاجن بإثارة غضب بكين عبر الاستجابة للضغط الغربي المتزايد بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في سنجان، موقع أحد أصغر مصانعها.
لم يتمكن كل هذا من إبطاء شركة فولكسفاجن: في العام الماضي وحده أعلنت عن استثمارات في الصين تبلغ قيمتها نحو أربعة مليارات يورو. وفي العام الماضي، نقلت الشركة رالف براندستاتر، عضو مجلس إدارتها المسؤول عن الصين، إلى بكين للعمل "في تعاون وثيق" مع شركائها الرئيسين الثلاثة في المشروع المشترك، شركات السيارات الصينية المملوكة للدولة فاو، وسايك وجاك.
توصف استراتيجية شركة فولكسفاجن الجديدة بأنها "في الصين، من أجل الصين"، وهي خطة لتوطين الإنتاج في البلد كوسيلة للوقاية من صدمات سلسلة التوريد وتعميق الانقسامات بين الغرب والصين.
عندما ظهر براندستاتر على المنصة في معرض شنغهاي للسيارات الشهر الماضي، لم يتطرق إلى المناخ الجيوسياسي المتدهور، بل سعى بدلا من ذلك إلى الإجابة عن الكيفية التي تخطط بها الشركة لجذب العملاء مرة أخرى.
قال براندستاتر "إن مركزا جديدا للابتكار بقيمة مليار يورو سيبني الاستثمار الذي تبلغ قيمته 2.4 مليار يورو في شركة هورايزون روبوتيكس"، شركة صينية لتصميم الرقائق، تم الإعلان عنها أواخر العام الماضي. كما ستضاعف كارياد، ذراع البرمجيات التابعة لشركة فولكسفاجن، عدد مهندسيها في الصين إلى 1,200 مهندس.
وأضاف أن "خطة الإنفاق التي تقدر بمليارات الدولارات ستقلص الوقت المستغرق في تطوير المنتجات بمقدار الثلث تقريبا وتمنح مزيدا من الاستقلالية لاتخاذ القرار على المستوى المحلي".
قال أوليفر بلوم، الرئيس التنفيذي لشركة فولكسفاجن، وهو يقف بجانب براندستاتر في معرض السيارات مرتديا حذاء رياضيا قماشيا أبيض اللون "تختلف احتياجات العملاء الصينيين ومتطلباتهم عن المناطق الأخرى في العالم. ومن المهم للغاية أن تكون جميع مشاريعنا قريبة جدا من العملاء".
لكن وسط مستشاري الصناعة، والمحللين وموظفي شركة فولكسفاجن السابقين، هناك شكوك بشأن خطة الشركة المصنعة للسيارات في الصين.
حيث تتعثر القرارات المتعلقة بمشكلات التصميم والهندسة بين فولفسبورج والمكاتب والمصانع الصينية العديدة للمجموعة. يتم تطوير سيارات فولكسفاجن في ألمانيا للعملاء الأوروبيين قبل أن يتم تعديل الطرازات لتصبح صينية الصنع للمستهلكين الصينيين.
لأعوام، كان هذا الهيكل يطرح بعض المشكلات. فعل المنافسون الأمريكيون واليابانيون الأمر نفسه، وأصبح المستهلكون الصينيون يقدرون كل الأشياء الأجنبية بدرجة عالية. لكن اليوم ترك الموظفين يشعرون بالعجز والضعف مع كشف منافسيهم الصينيين النقاب عن تكنولوجيات القيادة الذكية ونماذج المركبات الكهربائية الجديدة.
وفقا لأحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في شركة فولكسفاجن الذي ترك الشركة في الأعوام الأخيرة للانضمام إلى إحدى أكبر شركات صنع المركبات الكهربائية في الصين، كانت الشركة تدفع ثمن كونها متحفظة فيما يتعلق بالمركبات الكهربائية حيث قامت مجموعات أخرى "بدراسة الوضع".
والآن، بينما كانت تحاول التحول إلى النماذج الكهربائية، ظلت شركة فولكسفاجن "معتمدة بشكل كبير" على الموردين الرئيسين الذين يصنعون أجزاء لمحركات الاحتراق الداخلي، على حد قول المسؤول التنفيذي السابق. وأضاف أن "هذا يعني أنها تخلفت ليس عن المنافسين الصينيين فحسب، بل أيضا عن شركة تسلا، التي أصبحت منغمسة بشدة في سلسلة توريد المركبات الكهربائية المحلية.
قال المسؤول التنفيذي السابق "شركة فولكسفاجن عملاقة في صناعة السيارات التي تعمل بالوقود (...) الأمر يشبه مطالبة فيل بالاستدارة".
قال مستشار شركة فولكسفاجن ومقره شنغهاي "إن فريقه في الصين يعاني أيضا منصة برمجيات قديمة للمركبات الجديدة".
وقال "يمكنها طرح سيارات جميلة أيضا ببطارية كهربائية، وهذه ليست مشكلة على الإطلاق، لكن البرمجيات قديمة جدا، إنه أمر محرج".
وأضاف "قد تكون البرامج جيدة بالنسبة إلى أوروبا بما يكفي لبضعة أعوام أخرى. أما بالنسبة إلى الصين، فلن تحرز تقدما. إذا لم تتمكن من حل ذلك، فستكون هناك ثغرة في فترة إطلاقها المنتجات الجديدة ربما لمدة عام أو عامين، يمكن أن يؤدي ذلك حقا إلى قتل شركة". وفي علامة على تفاقم المشكلات لشركة فولكسفاجن، أزالت الشركة يوم الإثنين جميع المديرين التنفيذيين تقريبا في ذراعها البرمجية.
تطرح التزامات المشروع المشترك لشركة فولكسفاجن في الصين مشكلة أخرى.
مدفوعة بالتزام شركة تسلا بصناعة مركبات كهربائية في شنغهاي، رفعت بكين في 2018 القيود المفروضة على الملكية الأجنبية للشركات المصنعة للسيارات. لكن المحللين قالوا "إن شركة فولكسفاجن ومجموعات أجنبية أخرى كانت تخشى إثارة غضب شركائها في المشروع المشترك منذ فترة طويلة والأعمال المربحة التي أنشأتها".
قال بيل روسو، الرئيس السابق لشركة كرايسلر في الصين ومؤسس شركة أوتوموبلتي الاستشارية ومقرها شنغهاي "سيستمرون في حلب البقرة، لكن البقرة لن تبقى على قيد الحياة لفترة أطول".
كما أن المخاوف من غضب الشركاء والمسؤولين الصينيين تعقد مستقبل مصنع الشركة في شنجيان، المنطقة الغربية حيث ارتكبت الدولة انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان ضد الأويجور والجماعات الإسلامية الأخرى.
استبعدت شركة فولكسفاجن إغلاق المصنع. وقد تفادت ضغوط السياسيين، ونشطاء حقوق الإنسان ونقابتهم الخاصة، بحجة أنه يجب عليها الوفاء بعقدها مع الشركة الشريكة سايك رغم أنها تخلت بالفعل عن خطط استخدام المصنع لإنتاج أنموذج جديد.
في مذكرة داخلية في شباط (فبراير)، أخبر براندستاتر الموظفين بأنه قام بأول زيارة له إلى مصنع شنجيان، مشيرا إلى "القلق العميق" بشأن التقارير المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان.
وفي حين إن المذكرة لم تتناول مزاعم انتهاك حقوق الإنسان في المصنع، إلا أن براندستاتر قال "إن المصنع ذو معايير عالية بشكل عام". ووصف مقصفا منفصلا مخصصا للأطباق الحلال و"جزيرة للتعلم"، حيث يمكن للعمال دراسة لغة الأويجور.
تماما كما تتعرض عمليات شركة فولكسفاجن في الصين للضغط، فإن الشركات الصينية سريعة النمو مثل لي أوتو، وإكس بينج ونيو تدفع سياراتها في السوق الشاملة أقرب إلى وظائف القيادة الذاتية.
قال المدير التنفيذي السابق لشركة فولكسفاجن في الصين "إن الشركة كانت بطيئة جداً في استيعاب كيف أصبحت طبيعة المستهلكين الصينيين الذين يركزون على التكنولوجيا، ما أدى إلى فجوة واسعة بين الخدمات والميزات التي تقدمها الشركات المصنعة للسيارات الكهربائية المحلية في الصين وتلك المتوافرة في سيارات المجموعة الألمانية.
الأمر يشبه مقارنة أجهزة آيفون بأجهزة نوكيا قبل عشرة أعوام".