الاقتصاد الروسي .. 13 ألف قيد من العقوبات ولا يزال «يقف على قدميه»
ترى ألكسندرا بروكوبينكو الباحثة غير المقيمة في مركز كارنيجي روسيا أوراسيا، أن الكرملين حطم كثيرا من الأرقام القياسية أخيرا، لكن ليس على نحو جيد.
ومن بين الأوصاف التي تحملها روسيا هو وصفها بأنها الدولة الأكثر تعرضا للعقوبات، فمنذ الحرب الأوكرانية العام الماضي، أصبحت روسيا خاضعة لأكثر من 13 ألف قيد، وهو ما يزيد على ما تخضع له من القيود إيران، كوبا، وكوريا الشمالية مجتمعة.
وتضيف المحللة الروسية في تقرير نشرته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، مع ذلك انخفض إجمالي الناتج المحلي الروسي 2.1 في المائة فقط 2022، ويتوقع حتى صندوق النقد الدولي الحذر أن ينمو ذلك الناتج في 2023 على عكس اقتصاد المملكة المتحدة، على سبيل المثال.
ويتيح هذا للكرملين وصف العقوبات بأنها عديمة التأثير، لكن في الحقيقة هناك تأثيران نوعي وكمي، فقد غيرت العقوبات جذريا أسلوب عمل الكتلة الاقتصادية في الحكومة الروسية.
وتقول بروكوبينكو، خريجة جامعة موسكو والحاصلة على الماجستير في علم الاجتماع من جامعة مانشستر، رغم نظام رأسمالية الدولة السائد في روسيا قبل الحرب، كانت سياستها الاقتصادية تتركز بدرجة كبيرة على التطور التكنولوجي، وتنوع الصادرات بعيدا عن اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري، وعلى حرية حركة رأس المال الحرة نسبيا.
والآن حل محل تلك العناصر قيود على رأس المال، وتصنيف الدول بأنها إما صديقة أو معادية، واستخدام عملة اليوان الصينية في المبيعات، وإضفاء الطابع العسكري على إنفاق الميزانية. وليس هناك أي احتمال لتغيير ذلك طوال مدة كبيرة مقبلة.
ومن المفارقات، أن العقوبات أدت إلى تعزيز روسيا القلعة في المدى القصير من خلال عزلها عن الصدمات العالمية، بينما تؤدي إلى إضعافها في المدى المتوسط والطويل.
ففي أعقاب هجوم روسيا في أوكرانيا العام الماضي، سارعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فرض موجات من العقوبات ردا على ذلك، حيث تم تجميد النقد الأجنبي واحتياطي الذهب الروسي وتقييد قدرة البنك المركزي الروسي على استخدام عملتي الدولار واليورو. ولم يكن من الغريب أن يعد مجتمع الأعمال وكبار المسؤولين في روسيا أنفسهم لانهيار وشيك للاقتصاد.
ومع ذلك، فإن رد الفعل السريع من جانب الكتلة الاقتصادية في الحكومة نجح في تخفيف الصدمة. فقد فرضت قيودا على تحرك رأس المال ورفعت سعر الفائدة إلى 20 في المائة، وأوقفت خروج الأموال من النظام المصرفي، الذي أدى إلى استنزاف أكثر من تريليوني روبل (30 مليار دولار) في أول أسبوعين من الحرب.
وكان معنى عدم وجود مشكلات خطيرة في النظام المصرفي هو أن الاقتصاد الروسي ظل واقفا على قدميه، وأن الهلع خفت حدته. لكن كان من نتائج رد الفعل الروسي على العقوبات زيادة عدد الدول التي عدت أنها اتخذت إجراءات "معادية" تجاه روسيا، وتعزيز علاقاتها مع دول.
وستظل الحسابات الجيوسياسية تحدد سياسة التجارة الروسية، بما في ذلك سلاسل الإمداد، في المستقبل القريب. وسيتحمل المستهلكون التكاليف الناجمة عن ذلك في شكل ارتفاع في الأسعار وانخفاض جودة السلع.
من ناحية أخرى، فإن علاقات موسكو بحليفتها الرئيسة الباقية بكين تشبه بصورة متزايدة اعتمادا اقتصاديا. فالتجارة بين الدولتين زادت بنحو الثلث لتبلغ 190 مليار دولار في 2022 وفقا لإحصاءات الجمارك الصينية. وتمثل سلع الطاقة أكثر من ثلثي صادرات روسيا للصين. وروسيا هي ثاني أكبر مورد للنفط للصين.
ورغم العقوبات الغربية على إمداد روسيا بأشباه الموصلات والرقائق، فإنها تحصل على معظم سلعها الإلكترونية وأشباه الموصلات من شركات صينية.
وأوضحت بروكوبينكو أن ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة وما لازمه من ارتفاع في أسعار الفائدة كان له تأثير في وضع البنوك الأمريكية، وما زال انهيار ثلاثة من البنوك الأمريكية في آذار (مارس) الماضي يخيم بظلاله القاتمة على الأسواق، ما دفع المحللين إلى الحديث عن "أصداء أزمة عالمية".
من ناحية أخرى، فإن الاقتصاد الروسي المعزول بأمان عن الأسواق المالية العالمية بسبب العقوبات لم يتأثر بذلك.