بريطانيا تفقد مواهبها .. الأجور ليست السبب الوحيد

بريطانيا تفقد مواهبها .. الأجور ليست السبب الوحيد

عندما انتقل جافين باترسون ليصبح مديرا تنفيذيا كبيرا في شركة سيلز فورس للتكنولوجيا في سان فرانسيسكو في 2019 بعد بضعة أعوام متعبة أحيانا من العمل في إدارة شركة الاتصالات البريطانية بي تي، كانت هناك ميزة واضحة واحدة.
قال باترسون "على المستوى الشخصي، يمكن جني مزيد من المال في الولايات المتحدة. ولا يوجد اعتراض شعبي إذا كنت ناجحا".
اتخذ باترسون القرار الذي يواجهه الآن كثير من المديرين التنفيذيين في المملكة المتحدة، سواء لنقل الوظائف، أو في بعض الأحيان الشركات، إلى الولايات المتحدة نظرا إلى إمكانية الحصول على تقييمات أعلى ومكافآت شخصية.
بعد عودته إلى لندن بعد تنحيه في كانون الثاني (يناير) للعمل في مهنة غير تنفيذية، يدرك باترسون أيضا أن الوضع ليس دائما أفضل بالنسبة إلى المديرين التنفيذيين البريطانيين.
"إن للحوكمة في الولايات المتحدة إيجابيات وسلبيات"، كما قال، في إشارة إلى خطر الدعاوى القضائية الجماعية والدمج الأكثر شيوعا بين وظيفتي رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي.
في الأشهر الأخيرة، اندلع الجدل حول ما إذا كانت المملكة المتحدة تفقد أفضل مواهبها، وتتخلف أكثر عن نيويورك كموطن لأكبر الشركات في العالم.
الأسبوع ما قبل الماضي، دعت جوليا هوجيت، رئيسة بورصة لندن، إلى البحث مجددا في كيفية دفع رواتب المديرين التنفيذيين في المملكة المتحدة، وعلى وجه الخصوص دور المؤسسات الوكيلة، التي غالبا ما تحث المساهمين على التصويت ضد المكافآت. كما رددت كلماتها صدى مخاوف كثير من رؤساء مجالس إدارة الشركات في مؤشر فاينانشيال تايمز بشأن القيود التي يرونها على دفع أجور تنافسية لكبار مسؤوليهم التنفيذيين.
صوت المساهمون أخيرا ضد مقترحات الرواتب في شركة يونيليفر، إحدى أكبر الشركات في المملكة المتحدة، ومن المتوقع حدوث مزيد من الاحتجاجات حيث تخضع رواتب المديرين التنفيذيين للرقابة خلال الأزمة الواسعة في تكاليف المعيشة. كما دعا النشطاء والسياسيون إلى وضع قيود على رواتب المديرين التنفيذيين مع اتساع الفجوة بين كبار المسؤولين والموظفين من المستويات الأدنى.
فيما كان لاكسمان ناراسيمهان من بين الأمثلة الحديثة للمديرين التنفيذيين الذين حولوا ثرواتهم عبر الانتقال من المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة. حصل ناراسيمهان على مبلغ يعادل 7.5 مليون دولار في آخر عام كامل له بصفته رئيسا تنفيذيا لمجموعة ريكيت بينكيزر للمنتجات المنزلية المدرجة في المملكة المتحدة، لكنه تفاوض على حزمة يحتمل أن تبلغ قيمتها 17.5 مليون دولار سنويا مقابل إدارة سلسلة متاجر ستاربكس للقهوة في الولايات المتحدة، وتجاهل حتى المغريات المالية التي تدفع مرة واحدة التي رفعت الرقم إلى 28 مليون دولار.
في 2019، استقال نامال نوانا من منصب الرئيس التنفيذي لشركة سميث آند نيفيو لأن شركة الأجهزة الطبية البريطانية لم تستطع أن تلبي مطالبه حول الراتب.
فيما قال مارك فريبيرن، رئيس ممارسات مجلس الإدارة في شركة أودجرز بيرندسون لتوظيف الكفاءات، "إن القضية أصبحت تمثل أزمة لبعض الشركات: هناك قلق حقيقي بشأن خسارة المديرين التنفيذيين لمصلحة الولايات المتحدة. وذلك يحدث على مستويات رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي والمدير المالي وعلى المستويات غير التنفيذية".
يبلغ متوسط إجمالي أتعاب كبار المسؤولين التنفيذيين حاليا، بما في ذلك الراتب والمكافآت ومكافآت الأسهم وخياراتها، نحو 26 مليون جنيه استرليني في الشركات المدرجة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500، وفقا لبيانات شركة ريفينيتيف التي تستند إلى التقارير السنوية. أما بالنسبة إلى الشركات المدرجة في مؤشر فاينانشيال تايمز 100، فيبلغ المتوسط نحو نصف هذا الرقم، أي حدود 13 مليون جنيه استرليني.
بالنظر تحديدا إلى دور الرئيس التنفيذي، كان متوسط الأجر يبلغ 13.4 مليون دولار في الولايات المتحدة في 2019، مقارنة بـ5.5 مليون دولار في المملكة المتحدة، وفقا لشركة ويليس تاورز واتسون. كانت الرواتب الأساسية للمديرين التنفيذيين متشابهة على وجه العموم، لكن الشركات الأمريكية قدمت مكافآت وحوافز طويلة الأجل وأعلى بكثير.
قال فريبيرن إن الراتب لم يكن عامل التحفيز الوحيد للمديرين التنفيذيين الذين يفكرون في الانتقال "البيئة التنظيمية في الولايات المتحدة تعني قضاء مزيد من الوقت في إدارة الشركة وقضاء وقت أقل في المهام البيروقراطية وتلك التي تتعلق بالامتثال". لكن المكاسب المحتملة كانت مسألة واضحة "حين تعلم أن شخصا ما يقوم بالوظيفة نفسها مقابل خمسة أو ستة أضعاف ما تتقاضاه". واستشهد بمثال لرئيس تنفيذي لشركة أمريكية استحوذت عليها شركة منافسة مقرها المملكة المتحدة، الذي أصبح الرئيس التنفيذي للمجموعة في لندن غير أنه اضطر إلى قبول راتب مخفض مقابل الترقية.
كما يتفق باترسون على أن "البيروقراطية والامتثال مبالغ فيهما" في المملكة المتحدة، قائلا "إن كثيرا من التعليقات غير المهمة المطلوبة الآن في التقارير السنوية للمملكة المتحدة تتلخص في إجراءات شكلية".
لا تقتصر المخاوف بشأن مكافآت المديرين التنفيذيين على المملكة المتحدة، كما أشار توم جلوسر، الذي أدار وكالة "رويترز" المدرجة في لندن ثم وكالة "تومسون رويترز" التي تسيطر عليها كندا بين 2001 و2011. وبصفته عضوا في لجنة التعويضات في مجموعة بابليسيز الفرنسية للإعلان، أشار إلى مخاوف مشابهة بشأن هجرة العقول التنفيذية من فرنسا.
قال جلوسر "إن العداء تجاه الأجور المرتفعة ليس أمرا جديدا. حتى في التسعينيات، واجهت شركة بريتش جاس احتجاجات ضد (القطط السمينة) -مصطلح يطلق على المسؤولين التنفيذيين الذين يتلقون أجورا مرتفعة- تحت رئاسة ريتشارد جيوردانو المولود في الولايات المتحدة، بينما كافحت شركة إي إم آي للدفاع عما دفعته لجيم فيفيلد مدير تنفيذي أمريكي آخر، ملقب بالمحظوظ".
وأضاف جلوسر أنه "من الخطأ الواضح أن بعض مجالس الإدارة الأمريكية كانت على استعداد لدفع حزم قدرها 100 مليون دولار لأشخاص قادرين تماما على إدارة الشركات مقابل مبلغ أقل من ذلك"، لكنه تساءل عن النهج الأكثر شحا واستهلاكا للوقت في الطرف الآخر من المحيط الأطلسي.
"ليس سلبيا تماماً أن يوجد هذا الحجم الكبير من الإقناع في أوروبا لاحتواء الأجر العالي لكن التوازن غالبا ما يكون غير ثابت (...) والوقت الضائع كبير".
أرقام الأجور لكبار المسؤولين التنفيذيين التي تتم مقارنتها بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تضيع فيها حقيقة أن لدى الولايات المتحدة كثيرا من الشركات الأكبر بكثير. قال أحد المديرين التنفيذيين البريطانيين في نيويورك "توجد وظائف هنا أكثر وأكبر من هناك".
من جانبه، قال توم جوسلينج، الزميل التنفيذي في كلية لندن للأعمال، "إن متوسط حجم الشركات التي تزيد قيمتها على عشرة مليارات دولار في الولايات المتحدة كان أعلى من شبيهتها في المملكة المتحدة بالنظر إلى أسهمها التكنولوجية الضخمة.
لذا فإن الفرق الذي يساوي ضعفين أو أكثر في مستويات الأجور(...) ربما يكون مبالغا فيه بعض الشيء. على مدار أعوام عديدة من مقارنة أجور الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة بالمملكة المتحدة وأوروبا، وضعت قاعدة أساسية مفادها أنه بالنسبة إلى الشركات ذات الحجم المشابه، رواتب الرؤساء التنفيذيين كانت أعلى بنحو 50 في المائة في الولايات المتحدة".
كما أشار إلى أن هذه الفجوة "ربما تكون قد ارتفعت أخيرا، حيث ظلت الأجور في المملكة المتحدة ثابتة بوجه عام على مر الأعوام (مع بعض الاختلافات) بينما استمرت الأجور في الولايات المتحدة في الارتفاع 5 إلى 10 في المائة سنويا".
لكنه أضاف "على الرغم من أن رواتب الرؤساء التنفيذيين أصبحت قضية سياسية في الولايات المتحدة، فإن مستوى الغضب العام لا يزال أقل". وأضاف أنه في الولايات المتحدة، يظل "نظام تصويت المستثمرين على الأجور" موصى به، مقابل مثيله الملزم في المملكة المتحدة.
أما بالنسبة إلى بعض المديرين التنفيذيين البريطانيين، ليس فقط الراتب لكن الثقافة أيضا جذابة في الولايات المتحدة. قال ريتشارد هاربين، مؤسس مجموعة هوم سيرف للخدمات التي كانت مدرجة سابقا في مؤشر فاينانشيال تايمز 250 واشتراها هذا العام صندوق البنية التحتية التابع لشركة بروكفيلد، إنه لا يوجد مكان أفضل لبدء شركة من المملكة المتحدة. لكن هاربين أضاف أنه "ليس هناك شك في أن الترحيب برواد الأعمال أكبر في أمريكا".
كما قال "إنه كان هناك شعور في الولايات المتحدة بأن المستثمرين يركزون أكثر على النمو طويل الأجل. هذا هو السبب في أننا نرى عددا من الشركات تنقل إدراجا في لندن إلى إدراج مزدوج في السوق الأمريكية فقط. إن سوق الأسهم في المملكة المتحدة بحاجة إلى مستثمرين على المدى الطويل وإلى شركات أفضل تقييما".
بالنسبة إلى الشركات، سيعتمد ما إذا كان من المنطقي الانتقال أم لا على حجم أعمالها وقاعدة مساهميها في الولايات المتحدة أكثر مما يعتمد على ما يمكن أن تدفعه لمديريها التنفيذيين. قال باترسون "إن الشركات القائمة على التكنولوجيا هي بلا شك أكثر ملاءمة للولايات المتحدة، حيث تقدم تقييمات عالية وتغطية أقوى للمحللين والمستثمرين".
واتفقت شركة إندافا مع هذا الرأي، وهي شركة لخدمات تكنولوجيا المعلومات نقلت إدراجها من لندن إلى نيويورك قبل خمسة أعوام. قال مارك ثورستون مديرها المالي "اعتقدنا أن المستثمرين الأمريكيين سيفهمون قصتنا بشكل أفضل. إنهم يفهمون ما نفعله. لكنهم لم يفهموا ذلك في المملكة المتحدة".
أما بالنسبة إلى الدور الذي لعبته رواتب المسؤولين التنفيذيين في قرارها للانتقال، أشار إلى أنه "لا أحد في الولايات المتحدة سيندهش" من مبلغ 3.7 مليون دولار الذي حصل عليه جون كوتريل، الرئيس التنفيذي المؤسس لـ"إندافا"، العام الماضي.
قال ثورستون "أعتقد أن هناك حساسية أكبر في المملكة المتحدة، لكن هل سيؤدي ذلك إلى اتخاذ قرارات بشأن الرغبة في العمل لدى شركة أمريكية مدرجة؟ لا أعلم". في حالة "إندافا"، على الأقل، "لم تقترب التعويضات من هذا المستوى على الإطلاق".
قد يكون الأجر عاملا أكبر في الصناعات الأخرى، وفقاً لجلوسر، وهو عضو أيضا في مجلس إدارة "مورجان ستانلي" وقد أشار إلى أن البنوك "ربما تكون من أسوأ الحالات".
إذا قرر مسؤول تنفيذي في وقت مبكر من حياته العمل في مجال البنوك، كما يقول جلوسر، "فالأمر كله يتعلق بالمال".

الأكثر قراءة