الابتكارات الرقمية بين النفوذ والسيطرة «2 من 2»
في المقال السابق تطرقت إلى كيفية انتشار الابتكارات التقنية والتكنولوجيا الرقمية بشكل كبير، وكيف أن تأثيرها بات يظهر في عديد من الجوانب الحياتية بشكل واضح وملموس، وأن هنالك ثورة تقنية رقمية مقبلة تفوق أي ثورة سابقة، وأن لدى هذه الثورة الرقمية صراعا خطيرا وواضحا بين طريقة نفوذها وبين طرق تحكمها وسيطرتها، وتم التطرق بشكل عام إلى ماذا نعني بالنفوذ والسيطرة لهذه التقنيات، وما الأبعاد والفرص الإيجابية المتعددة لاستخداماتها والآثار والمخاطر السلبية التي تكمن فيما لو تم استغلالها بطرق غير قانونية وغير أخلاقية، والذي قد يؤدي إلى صعوبة التحكم والسيطرة عليها مستقبلا، ثم ضربت بعض الأمثلة التوضيحية التي شملت التقنيات الحديثة التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي وأنواعها المختلفة، وأن بعضا من هذه التقنيات تمتلك خاصية النفوذ والسيطرة معا، وأن هنالك حاجة ضرورية ومهمة للموازنة في التعامل مع هذه التطورات التقنية الرقمية الكبيرة، التي أصبح لها أثر كبير في جميع مجالات حياتنا، وفي هذا المقال سأستكمل الحديث عن بعض الأمثلة الأخرى لبعض دول العالم، وكيف استطاعت الموازنة في التعامل مع هذه التقنيات الإلكترونية والابتكارات الرقمية، والتحكم في نفوذها وطرق سيطرتها.
قمت بإحصائية بسيطة عن الابتكارات والتقنيات الرقمية الحديثة ووجدت ظهور عديد من أدوات الذكاء الاصنطاعي تتجاوز 15 تقنية جديدة لم تكن معروفة، وانتشرت وظهرت بشكل كبير في أقل من عام. من هذه الأنواع، على سبيل المثال، تقنيات شات جي بي تي، تقنية ويسبر، جي بي تي 3، البريد الإلكتروني AI، منشئ تطبيق الذكاء الاصطناعي دون كود، وغيرها، وأصبح لها نفوذ واضح بسبب كثرة استخدامها، ومن الأمثلة على التقنيات الرقمية التي نستطيع من خلالها فهم نفوذ هذه الابتكارات الرقمية، مثال تقنية وي شات WeChat في دولة الصين، هذه التقنية تعد منصة تواصل اجتماعي تم إطلاقها 2011، تملكها شركة تينسنت إحدى كبرى شركات التكنولوجيا الصينية. هذه التقنية تمكن مستخدميها من إجراء المحادثات الفورية النصية والصوتية والفيديو، ومشاركة الملفات بأنواعها والصور والمقاطع الصوتية والفيديوهات وغيرها، كما يمكن من خلالها التسوق الإلكتروني والدفع الإلكتروني، وحجز التذاكر وتبادل العملات الرقمية، ليس ذلك فقط، بل تمكنهم أيضا من إنشاء حسابات رسمية للأعمال والدعاية والتسويق وبذلك أصبحت هذه المنصة شديدة الانتشار ولها نفوذ وبشكل واسع في الصين، حيث يبلغ عدد مستخدميها ملايين الأشخاص يوميا، وتعد أكثر أمانا ومصداقية لكونها منصة وطنية تتبع قوانيين وأحكام منظمة لها.
ومن الأمثلة على التقنيات الأخرى واسعة الانتشار تطبيق Douyin الذي طورته شركة بيتس دانس الصينية 2016، وتم تطويره وتغيير مسماه إلى تطبيق تيك توك، وتم إطلاقه للأسواق الدولية في 2017، وأصبح أحد التطبيقات الأكثر شهرة على مستوى العالم في الوقت الحالي، حيث يشير بعض الإحصائيات، إلى أنه أصبح متاحا في أكثر من 150 سوقا عالمية، ساعد على انتشاره توافره بلغات متعددة، مثل: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والعربية والصينية واليابانية والكورية والروسية، وغيرها كثير من اللغات تجازوت في عددها الـ75 لغة، وتجاوز عدد مستخدمي تطبيق تيك توك على مستوى العالم مليار مستخدم، وبلغ عدد تحميل البرنامج لأكثر من 130 مليون مرة في الولايات المتحدة وحدها فقط، ووصل إلى نحو ملياري عملية تحميل في جميع أنحاء العالم. من هنا نلاحظ كيف أصبح لهذه التقنية النفوذ، ليس على المستوى المحلي وإنما على مستوى دول العالم، ومن خلال هذا النوع من التقنيات يتم الحصول على كميات ضخمة من المعلومات سواء كانت على المستوى الشخصي أو على مستوى المجتمعات أو حتى الدول، حيث طورت الشركة هذه التطبيق بتوظيف تقنية الذكاء الاصطناعي، ومن خلال خوادمها يتم امتلاك البيانات الضخمة للمستخدمين التي يمكن تحليلها وتحديد وتصنيف اهتماماتهم وتفضيلاتهم من خلال تفاعلاتهم مع محتوى التطبيق، حيث يحتوي على خوارزميات تتم فيها معالجة ذلك، وبالتالي يمكن التعرف على عديد من الثقافات والتوجهات المجتمعية، بل حتى سلوكيات بعض الدول، وبشكل خاص، وهنا يتضح لنا مفهوم السيطرة والنفوذ معا عبر امتلاك الصين هذه التقنيات بقواعد بياناتها.
وأرى أن الاستفادة من التجارب الدولية في اختلاق وامتلاك مثل هذه التقنيات الرقمية والابتكارية النوعية، تمكن لنا تحقيق مزيد من الريادة والأسبقية، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو دفاعية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على أن يتم ذلك محليا وبأياد وطنية وبشكل يجذب الانتباه ويحقق شغف المستخدم، كما فعلت الصين، وأصبحت منافسا قويا لا يستهان به في ساحات التكنولوجيا الرقمية وغيرها من الابتكارات والصناعات النوعية المتقدمة.