"جوجل" تسلم أسلحة فتاكة إلى المفسدين
خلال مؤتمر آي/ أو الكبير للمطورين الذي تعقده "جوجل" - استعراض مطول وملمع لعضلات الذكاء الاصطناعي الجديدة للشركة-أسهب أحد المتحدثين الرئيسين عن الأخطار التي يثيرها "المفسدون".
جاءت العبارة، في سياق حدث متفائل لولا ذلك، مع توازن بين التهديد الحقيقي والمجرد. كان في استخدام مصطلح "مفسدين"، لطمأنة الجمهور بأن العقول البشرية في جوجل قد درست على النحو الواجب أخطار توسع الذكاء الاصطناعي بسرعة كبيرة تتعدى نقطة الضوابط الواقعية، ما يكفي من التهديد، لكن دون تفصيل واف عن التهديدات حتى لا تفسد جو الحفل.
بل ربما يسلم تعميم الذكاء الاصطناعي التوليدي أسلحة شر فتاكة في أيدي فناني الاحتيال وتجار المعلومات المضللة وغيرهم من المفسدين الصريحين. نحن محقون في الخوف من هذا، وكانت "جوجل" محقة في التوقف والاعتراف بالتوتر الموجود الآن في شركة بهذه الأهمية بين ما يمكنها وما يجب أن تطلقه في السوق.
لكن لهجة "جوجل" جعلت احتمال مضي الشركة قدما، على الأقل في الوقت الحالي، واردا على أساس أنه يمكن الوثوق بالناس العاديين للتعامل مع مجموعة خدمات يقدمها الذكاء الاصطناعي التوليدي. ربما تستهين الشركة بدناءة ذوي النيات السيئة، أولئك الذين لا يبحثون جاهدين عن الإمكانات المظلمة للتكنولوجيا، لكنهم سيستخدمونها حتما إذا كانت موجودة ومتاحة للاستغلال.
كانت المشكلة أنه مع ظهور كل عرض من عروض الذكاء الاصطناعي الجديدة من "جوجل" على الشاشات، بدت الأخطار أقل تجريدا وأكثر واقعية. حقيقة أن "جوجل" و "مايكروسوفت" وعمالقة التكنولوجيا الآخرين يهيئون ساحة معركة لمستهلكي الذكاء الاصطناعي ومؤسساته يعني أن المنافسة التجارية قد تم توجيهها الآن وتحريرها لتؤدي أفضل ما تفعله، ألا وهو أن تضع أكبر قدر مما يمكن أن تقدمه قانونيا في متناول أيدينا في أقرب وقت ممكن. هذا يعني أن الأدوات المطلوبة لتكون من ذوي النيات السيئة العاديين (لكن أيضا فاعلين جدا) ستكون متاحة أكثر فأكثر.
برزت فقرتان في المؤتمر. في إحداها، عرض المسؤولون التنفيذيون في "جوجل" برنامج ترجمة مدعوم بالذكاء الاصطناعي تجربه الشركة حاليا والذي - باعتراف الشركة عينها - يشبه إلى حد كبير برنامجا سهل الاستخدام بقدرة جبارة ينشئ مشاهد التزييف العميق. اعترف رئيس قسم "جوجل" بذلك، مبينا الحاجة إلى ضمانات وعلامات الحقوق المائية وتدابير السلامة الأخرى التي ربما يكون إنفاذها في الواقع صعبا.
يبدأ فيديو لمتحدث يتحدث بلغة واحدة، ثم تنسخ كلماته وتترجم وتحول إلى صوت مجددا بلغة أخرى باستخدام الذكاء الاصطناعي. يتم ضبط صوت الترجمة ونغمتها لتحاكي المتحدث أكثر، ثم يعيد البرنامج دبلجة ذلك على الفيديو الأصلي. في أمر مخيف - وإن لم يكن مكتملا بعد - يعالج الذكاء الاصطناعي بعد ذلك التسجيلات بحيث تتم مزامنة الكلمات الجديدة مع شفاه المتكلم. أمور رائعة- لكن تصور المنفعة في جعل الناس يبدون وكأنهم يقولون شيئا لم يقولوه أبدا في منتهى السرعة لكل من المفسدين وذوي النيات السيئة بيننا ليس أمرا صعب التصور أبدا.
في عرض توضيحي آخر، أظهر المسؤولون التنفيذيون في "جوجل" المحرر السحري للشركة، "ماجيك إديتور"، المدعوم بالذكاء الاصطناعي - وهو في الأساس أداة سريعة جدا وسهلة الاستخدام، مثل فوتوشوب، يبدو أنها ستسمح حتى لغير المتخصصين بتعديل الصور، وضمنيا تغيير تاريخ حدث أو لقاء ببضع نقرات أصابع.
كان سيناريو الشركة المتصور حميدا حتما، وبدأ بصورة سائحة أمام شلال. ذكريات سعيدة لكن - ويحي! - حزام حقيبة يد ناتئ تفضل محوه. نقرة! اختفى على الفور. تمنت لو كان الطقس أفضل في تلك الرحلة. نقرة! لم تعد السماء غائمة وداكنة، بل زرقاء رائعة. لو كانت أقرب إلى الشلال وذراعها بزاوية مختلفة. نقرة! أصبحت أقرب.
لا أحد يستطيع أن يمتعض من حق هذه السائحة، المضروبة مثالا، في إعادة كتابة الواقع قليلا. لكن الاستخدامات التي يمكن أن يستغل بها أحد ذوي النيات السيئة هذا يلقي كل هذا الأمر برمته في ظلال أكثر إثارة للشكوك. لن يرى الجميع على الفور كيف يمكنهم الاستفادة من هذه القدرات الفورية للتلاعب بالسجلات المرئية الماضية، لكن مجرد كون هذه القدرة متاحة سيجعل عددا كبيرا جدا من الأشخاص فضوليين.
منذ إطلاق "تشات جي بي تي"، لم يكن أمام "جوجل" وغيرها خيار سوى المشاركة في هذا الصدام التجريبي الثلاثي المبكر بين البشرية والذكاء الاصطناعي وشركات التريليون دولار. قال الرئيس التنفيذي للشركة ساندر بيتشاي الأسبوع الماضي، إن المبدأ التوجيهي لشركة جوجل في هذا الشأن سيكون موقفا "جريئا ومسؤولا". هذا طيب، لكنه يبدو وكأنه يملأ الفراغ حتى يدرك العالم كم عدد ذوي النيات السيئة الموجودين.